تصوروا.. ما زلنا مختلفين في مسمى الكمبيوتر، حتى ونحن غارقون إلى آذاننا في قيعانه!.. أول ما سمعنا بهذا الساحر العجيب كان اسمه العقل الإلكتروني، ثم ما لبثنا أن سمعنا أهل المغرب العربي يسارعون ويطلقون عليه اسم الحاسوب، فهب بنو يعرب في المشرق وأطلقوا عليه اسم الحاسب الآلي، وجاء أشاوس من أمصار عربية أخرى ليقولوا إنه (الكمبيوتر) وحسب!
اختلفنا حول المسمى، وهب كل فريق سائقا مبرراته اللغوية واستشهاداته التاريخية، وغضب بعضنا انحيازا لرأيه حتى كاد أن يعلن القطيعة والمواجهة، وتدخل وسطيون تلطيفا للغليان، فقالوا ليكن المسمى على هوى من يريد، المهم أن نتفق على أن كل تلك المسميات هي لذلك الشيء الذى انتفخت أوداجنا احترابا حوله!
لقد تعاركنا في مسمى الكمبيوتر، وتحسست أيادينا أغماد سيوفنا انتصارا لرؤوسنا الناشفة، وصار الكل متقوقعا حول ما شاء من مسمى، واعتبر بعضنا الاسم مسألة كرامة، ونحمد الله أن الأمر لم يتعد ذلك!
المشكلة أننا أضعنا سنوات وسنوات غارقين في هيجان المسمى، وفي حين كان كل واحد منا يطمح لتحقيق انتصار للنفس، كان أهل الغرب يطورون تقنيتهم الحاسوبية ويحيلونها من غرف عملاقة إلى أجهزة صغيرة لا يتعدى بعضها حجم الكف!
الأدهى هو أننا غرقنا في القيعان الضحلة للكمبيوتر، فبدلا من أن نحيله لوسيلة ترقى بحياتنا، جال الكثيرون منا في دهاليزه المظلمة الرطبة، ففاتتهم مواطن الإشراق والضياء التي عرفها الآخرون!
سنوات سنحتاجها للخروج من أزمة المسمى، وسنوات أخرى سنحتاجها لتجاوز قبضة الاستهلاك إلى أفق الابتكار التقني، وسنوات طويلة سنحتاجها للخروج من قيعان الكمبيوتر المظلمة الضحلة إلى مواقع البريق المتوهج بالسنا والإبهار المعرفي.
هي مسألة سنوات، وحتما سنخرج من قواقع التسطيح، لكن حين نخرج لا بد أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فالهوة ستكون قد اتسعت، فلا بديل عن امتلاك زانة عملاقة، نقفز بها عاليا، لنبلغ ما بلغه الآخرون، متجاوزين وقتا ثمينا كنا نتقاتل فيه على ذلك الشيء، إن كان حاسوبا، أم حاسبا آليا، أم كمبيوترا، أم عقلا إليكترونياً!!
Shatarabi@hotmail.com