أدهشني وفاجأني في الوقت نفسه أحد كبار القياديين في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، وأنا أتحدث معه عن إحدى قضايا التعليم في بلادنا حين أخبرني أنه أحب المدرسة تسع سنوات في صغره (الابتدائي، المتوسط)، حين أمضاها في مدارس الولايات المتحدة الأمريكية....
.... لكنه أحزنني كثيرا حينما ذكر أنه كره المدرسة في سنة واحدة أثناء دراسته في إحدى المدارس الثانوية بالرياض، وحينها كان يرى زملاءه الطلاب يحرصون على كسب الدرجات بعض النظر عن اكتساب طرائق التفكير وأساليب البحث! كما أفادني بأنه في تلك السنة رأى ولأول مرة في حياته ما يعرف بـ( البرشام) الذي يحمله البعض للغش في بعض المواد من أجل كسب المزيد من الدرجات والدرجات فقط. لقد وضعني ذلك اللقاء - مع ذلك الرجل الذي يحترق من الداخل لوضع تعليمنا - في دوامة تفكير مستمرة عن وضع التعليم لدينا الذي يكرس التنافس المحموم لكسب المعدلات بعيداً عن طرائق التفكير وأساليب حل المشكلات. لقد قال صاحبي أثناء ذلك اللقاء: إن تعليمنا يمر بأزمة حقيقية، وإلا كيف نفسر قلة الأكفاء في كثير من التخصصات حيث تلجأ الشركات الكبيرة إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية في كثير من المواقع المهمة لديها.
وهنا أقول: إن الدولة أنفقت وتنفق الكثير من الميزانيات في سبيل تحسين العملية التعليمية بكافة جوانبها وعناصرها، إلا أن ما نراه على أرض الواقع يجعلنا نتساءل بحرقة ومرارة عن السر في وضعنا التعليمي بشكله الحالي! إننا بحاجة جد ماسة إلى التطوير كما تسعى إلى ذلك دول العالم المختلفة؛ لأن المنافسة والتقدم والرقي المعرفي والثقافي والاقتصادي لن يكون إلا من خلال التعليم عالي الجودة الذي يعد أبناءنا وبناتنا لدخول عالم الغد بكل اقتدار؛ لأن هناك العديد من المشكلات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها أفراد المجتمع التي ترجع أسبابها إلى رداءة النظام التعليمي. ومن هنا، لابد أن نعي جيداً أن الدول الأكثر رقياً والأفضل تطوراً ونجاحاً هي الدول المهتمة بالتعليم الذي ينتج العقول المبدعة بعيداً عن اجترار التاريخ السالف.
وينتظر كثير من المهتمين والمتابعين برامج مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم التي من شأنها أن تسهم في رفع مستوى طلاب وطالبات التعليم العام في وطننا الغالي؛ حيث دعمت الدولة هذا المشروع دعماً قوياً، وذلك من خلال تخصيص ميزانية ضخمة تبلغ تسعة مليارات ريال، لتنفيذه خلال ست سنوات مضى أكثر من ثلثها دون تحقيق نتائج ملموسة ترضي طموحات وتطلعات أفراد المجتمع كافة. ومن هنا، فإن هناك من يضعون أيديهم على قلوبهم خشية انتهاء الوقت المخصص لهذا المشروع دون الخروج بنتائج تساعد في بناء أجيال تكتسب مهارات متعددة تساعد على الإبداع وتحث على التفكير بعيداً عن الحفظ والتلقين الجامدين. لقد جعل الصمت الذي أحاط بالعمل بمشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الكثيرين في قلق تجاه النتائج المرجوة والمتوقعة من هذا المشروع، خشية أن تظل الأجيال القادمة تنتظر مشروعات تطويرية قادمة.
وأخيراً، فإن الجميع ينتظرون بثقة عالية قيادات وزارات التربية والتعليم الجدد للعمل لتحقيق آمال وطموحات الكثيرين في التعليم من خلال هذا المشروع، فشكراً لمن قدم وعمل وأعان الله من تولى المهمة لتحقيق تطلعات قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين.
alelayan@yahoo.com