وقفت بجانب سرير أحد الأعزاء الأوفياء يتلقى العلاج في المشفى، ووجدته شامخاً صلباً في مواجهة الألم الجسدي والنفسي، وأكبرت فيه عمق إيمانه واستصغاره للدنيا، لسانه رطب بذكر الله وبالدعاء لأفراد أسرته، وحثهم لأن ينظروا للأمر بواقعية، مؤكداً لهم بأنهم لن يحبوه أكثر من نفسه، فهو مع ذلك يفوّض أمره لله جلّ شأنه مؤمناً بحسن تقديره وحكمة تصريفه، يعطي ذويه وأسرته جرعات تدريجية تمهيدية تعدّهم نفسياً لمستقبل يراه (هو) غير بعيد، نظراً لما يدركه من مستوى حالته الصحية، وأكبرت فيه مرة أخرى حسن دعابته لأبنائه وأفراد أسرته كلٌ حسب مقامه وعمره بطُرف وجُمل لطيفة تولد الابتسامة وأحياناً ضحكات جماعية يبدّد بها شعورهم الذي يثقل عليهم (شفقة عليه)، هكذا هو النُّبل..
رجل يبادل مشاعر محبيه بما يخفف عنهم ويطمئنهم عليه، سواء بقي بينهم أو أن كتب الله له مغادرة بخاتمة طيبة هي المأمول منه سبحانه..
كما عرفته في صحته نبيلاً خيرًا واصلاً متواصلاً، ها هو في مرضه المؤلم لم يتراجع عن طيبته وكرم ذاته، حتى وإن لم يملك إلاّ الكلمة الطيبة فها هو يبذلها بسخاء.. أجزل الله لهُ العفو والمغفرة.
وقفت أتأمّل كيف كان وكيف أصبح؟ مع عجزي عن فعل أي شيء فقدرة الله أقوى من أن يحيط بها بشر ضعيف، لم أملك إلاّ التفكُّر والتأمُّل داعياً نفسي لأن تعرف قيمتها ولتعلم هي وغيرها أنها: {لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}