في الوقت الذي يعاني منه العالم أجمع دون استثناء من الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الجميع وكشرت أنيابها في معظم دول العالم وخصوصاً تلك التي بنت اقتصاداتها بشكل يكاد يكون وهمياً، الأمر الذي كشف بالنهاية ضعف وقوة اقتصاد كل دول....
.... وأبرزت للعالم قوى الاعتماد الذي اتكأت واتكلت عليه تلك الدول، فحدث الانهيار المتوقع وأخذت تلك الدول المتضررة بعمل الدراسات والندوات والنقاشات الكفيلة ببحث أسباب الانهيار ومن ثم البحث في سبل علاجه من أجل الإبقاء على المستوى الاقتصادي التي كانت عليه قبيل الأزمة بل أن هناك بعض الدول ممن قام فعلاً بعمل التدابير اللازمة لتعويض الخسائر الناجمة عن انهيار البناء الاقتصادي لديهم ومن جملة تلك التدابير ما سمعنا عنه من استجداء بعض أصحاب رؤوس الأموال ورؤساء المصانع في الولايات للحكومة الأمريكية بالتدخل ومنح القروض والأساليب التي تم اتباعها بهذا الشأن. أنا لست خبيراً اقتصادياً ولله الحمد ولا أود الخوض في هذا المجال مطلقاً لكن ما أثارني حقيقةً هو إعلان الموازنة المالية مؤخراً للمملكة والتي أطلق عليها أضخم وأكبر ميزانية تمر على بلاد الحرمين.
لقد وقفت حائراً لفترات طويلة أمام الأرقام الفلكية التي احتوتها تلك الموازنة ربما لأني كما أسلفت لست بالخبير الاقتصادي لكني على الأقل مواطن يعي احتياجات بلده جيداً وأزعم أن لدي القدرات على الاستقراء والاستنباط مهما كان الموضوع المطروح، من هنا فليسمح لي أهل الاختصاص بالتدخل وإبداء الرأي مع كثير من التحفظ وقليل من الكلام.
لن أقول إنني كنت أتوقع أن يتم الكشف عن فائض في الموازنة بحجم ارتفاع أسعار النفط في العام 2008 وهل تم ضخ ذلك الفائض في تسديد الدين العام للدولة أم تم إدراجه في مشاريع الدولة القادمة؟ وإن كان ذلك أي تم إدراجه في مشاريع الدولة للعام القادم فهنا سأطرح عددا من الأسئلة الضخمة بحجم ضخامة ذلك الفائض لكن قبل ذلك، ما زال هناك سؤال أود طرحه وهو ماذا حدث في الأرقام الفلكية للموازنة الخاصة بالعام الماضي والتي تم أيضاً نعتها بالأضخم؟ وهل تم تقديم تقارير من الوزارات المستفيدة تفند استخدامات تلك الأموال وأين ذهبت وما الناتج منها.
نحن نعلم أن أكثر ما يؤرق خادم الحرمين الشريفين هو المواطن وراحته ورفاهيته وطالما الحديث عن رفاهية المواطن - أود أن يتم تعريف مفهوم رفاهية المواطن وكيف يتم تفسيره من قبل المعنيين في تصريف شؤون الدولة وتحديدا القائمين على تخطيط نفقات رفاهية المواطن.
لن أقول إننا أحوج لاستثمار فائض الميزانية في الانتهاء من الدين العام للدولة لأنني لن أنظر لكيان بحجم المملكة من منظور فردي بحيث يتم مقارنتها بما يشغل تفكير الفرد إذا كان ذو دين. لكنني أود أن أطرح سؤالاً بخصوص ذلك الدين العام، هل تم تخصيص بعض من تلك المليارات في سداده أو هل تم وضع جدوله لتسديده تأخذ بعين الاعتبار اختلاف أسعار النفط وهو المورد الوحيد الذي يمكن أن يعتمد عليه في هذا الشأن.
لعل هناك من يخرج ليقول، وما حاجتك أنت في معرفة ذلك، ولن أجادل بل سأصمت وأتفق معه مرحلياً كوني مواطناً لست بالخبير في المجال ولا المسؤول عنه ولذا سألتزم الصمت وأتوقف عن طرح المزيد من الأسئلة فيما يخص الدين العام، ودعوني أعود لمفهوم رفاهية المواطن الذي كما ذكرت يشغل بال قائد هذه الأمة ومصرف أمورها.
خرجت ميزانية العام الماضي 2008 كأكبر ميزانية مالية تمر على بلادنا بسبب ارتفاع أسعار النفط في العالم، الأمر الذي انعكس سلباً على رفاهية المواطن بسبب ما أحدثه ذلك الارتفاع بأسعار النفط في تضخم أسعار المواد الاستهلاكية الأمر الذي انعكس سلباً على رفاهية المواطن بعكس ما خطط له، وقد تدخل قائد هذه البلاد - حفظه الله - في غير مناسبة لإحداث تغييرات في كثير من الأنظمة مما أوقف تسارع التجار في رفع أسعار المواد وأحدث تراجعاً ملحوظاً فيها. ففات على الكثير بحكم انشغالهم في تأمين حاجاتهم وأسرهم وهو جزء من رفاهيتهم التي سلبتها ارتفاع أسعار النفط، أقول انشغلوا عن السؤال عن ما حدث للمشاريع التي تم الإعلان عنها وما زاد بقاء الغموض حولها هو عدم خروج الموكلين على تنفيذها ببيانات توضح خطوات الإنجاز الذي تم، وما زال الغموض يكتنفها سيستمر كذلك حتى مع بعض الجهات التي أعلنت سابقاً وأعلنت مؤخراً بحكم ظهور الميزانية الجديدة عن مشاريعها والتي تنوي تنفيذها والمدة الزمنية لذلك، لكني لا زلت أطالب بأمرين أولهما الإعلان عن المشاريع السابقة وما حدث لها، وثانياً الإعلان بلغة يفهمها المواطن. المواطن سادتي لا يحتاج لسماع عدد أبراج تبنيها وزارة ما أو عدد أبنية خدمية تبنيها، المواطن بحاجة لسماع الخدمات المتوقع تقديمها وإنجازها من ميزانية الخير ومتى يبدأ ومتى يتم الانتهاء منها لتصبح جاهزة لخدمته. المواطن بحاجة لسماع أنباء عن توفير مؤسسات خدمية في منطقته تحديداً، وهو بحاجة لسماع أخبار مفادها تخفيض أسعار السلع الاستهلاكية وغيرها كثير مما يحقق رغبة راعي مسيرة هذه البلاد في توفير الرفاهية للمواطن.
قبل ذلك كله، هل تم وضع أولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي لمؤسسات الدولة وخدماتها وتوزيعها المناطقي؟ لا شك أن إناطة هذه المهمة وفي هذا الوقت تحديداً لجهة واحدة محددة تجمع عددا من الخبراء في جميع الميادين سيدعم تحقيق نتائج إيجابية فورية ربما لتفرد الجهة بوضع ورسم الإستراتيجيات الكفيلة بتحقيق ذلك في معزل عن تداخل مسؤوليات أخرى تناط بها على عكس أسلوب رصد احتياج كل جهة بشكل منفرد وتقديمه كمطالبة يلزم تحقيقها.
وأنا هنا لا أقلل إطلاقاً من تقديرات الجهات التي طلبت رصد مبالغ معينة لتنفيذ مشاريعها وأرجو أن أُفهم كذلك، لكن بالوقت نفسه لا أستطيع الاعتماد على تقديرات جهة واحدة يحدوها الأمل في تحقيق مطالبها دون النظر لمطالب الجهات الأخرى لأن الأمر لا يعنيها. لذا لابد من وجود جهة تقوم على دراسة مطالب جميع الجهات الرسمية الخدمية وغير الخدمية وتقييمها وتقديم الأهم منها للتنفيذ وتأجيل الأقل أهمية ربما للأعوام القادمة أو حتى إلغاءه إن كان في إلغائه منفعة وخير للبلد.
يساهم وجود جهة واحدة كوزارة للتنمية كما سبق وإن اقترحت في عدد من المقالات بالحد من الأضرار التي يعاني منها الجهاز الحكومي إذا عمل بشكل منفرد وذلك عن طريق طرح آليات عمل جديدة تعتمد على الأسس العلمية في الفكر الإداري وحسن إدارة الموارد المالية والبشرية للدولة، الأمر الذي سيؤدي إلى إيجاد جهاز إداري كفء وفعال قادر على مواكبة التغير، يحسن تحقيق مفهوم الرفاهية، ويقدم خدمة متميزة للمواطنين ويتفاعل معهم ويساهم في تخفيف العبء ربما على الجهات المعنية في اتخاذ قرار توزيع إيرادات الدولة والعمل على جدولة الدين العام للدولة.
والله من وراء القصد
dr.aobaid@gmail.com