Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/02/2009 G Issue 13296
الأحد 27 صفر 1430   العدد  13296

الشاعر محمد العوني.. تاريخ جيل وحياة رجل

 

د. محمد بن عبد الله المشوح

(إنه الشاعر الذي لا يبارى وذو الرأي الصائب الذي قلَّ أن يخطئ الهدف، الذكي الموهوب والطموح المغامر والأبي المحرض الذي لا يطيب لنفسه العيش إلا بمصارعة الشجعان العظام).

بهذه العبارات الجزلة صدر الأديب المؤرخ فهد المارك -رحمه الله- كتابه الذي لا يزال مخطوطاً حبيساً (محمد العوني تاريخ جيل وحياة رجل).

ويشير المؤلف فهد المارك -رحمه الله- إلى قصة كتابته لهذا الكتاب وفكرته التي انساحت لديه حين اطلع على سلسلة (نوابغ الفكر العربي) والتي أوحت إليه أن يصدر كتاباً عن نوابغ الجزيرة العربية الذين لم يسبق أن كُتب عنهم. وقد أفصح فهد المارك أنه بدأ بمسودة كتاب عن محمد العوني دوّنها وكتبها في سنة 1373هـ -1953م.

وفي سنة 1383هـ -1963م. عرض تلك الأوراق على العلامة الشيخ عبدالله بن خميس متعه الله بالصحة والعافية فقرأها وأعجب بها، ثم عرضها لاحقاً على شيخنا الشيخ محمد العبودي خلال لقاء جمعهما في دمشق خلال إقامة الأديب فهد المارك هناك -رحمه الله.

يقول المارك: وحين بحثت عنها لم أجدها لدي ثم راجعت الشيخ عبدالله خميس فأخبرني أن لديه نسخة منها.

وقبل أن استعرض ما ورد في هذه المخطوطة المنسوخة على الآلة الكاتبة لابد أن أتوقف مع المؤلف فهد المارك -رحمه الله- الذي له مساهمات عديدة لخدمة التراث والأدب والشعر وكتابه وسفره العظيم (من شيم العرب) خير شاهد على ثقافته ومكانته الأدبية.

بل لو لم يكن له عمل سوى ما جمعه وحققه وحفظه عن الشاعر العوني -رحمه الله- لكفى.

وفهد المارك -رحمه الله- نابغة مبكر بل هو يستحق أن يوصف من نوابغ هذه الجزيرة العربية ومن استعرض كتاباته وتحليله وصياغته لكثير من القصص والوقائع وحفظه للشعر والتراث يدرك بجلاء هذه الحقيقة. وعلى الرغم من أهمية الكتاب الذي جاء مستوفياً ومستغرقاً لعدد من الجوانب الخاصة والعامة لحياة الشاعر العوني إلا أن عدم صدوره ونشره يطرح تساؤلاً مهماً عن السبب في هذا الحجب لهذا السفر الأدبي التاريخي القيَّم.

وقد أشار الشيخ فهد المارك -رحمه الله- إلى أن الكتاب يضم بين دفتيه بعد المقدمة سبعة عشر فصلاً متميزاً هي كالآتي:-

الفصل الأول: الحياة الاجتماعية التي عاصرها العوني.

الفصل الثاني: نسب العوني وولادته وطفولته.

الفصل الثالث: نشأة العوني ومهنته وأخلاقه.

الفصل الرابع: أين قضى العوني فترة فتوته.

الفصل الخامس: العوني من أمير البحرين إلى أمير مكة إلى أمير حائل.

الفصل السادس: وجد العوني عند آل صباح المرتع الخصب الذي يسر فيه.

الفصل السابع: وجد العوني بعبدالعزيز الفتى الذي يحقق أحلامه.

الفصل الثامن: محاولة العوني تنفيذ مخططه.

الفصل التاسع: العوني في حائل، لم يتأقلم.

الفصل العاشر: العوني ينطلق من صمته.

الفصل الحادي عشر: لماذا حرض العوني القاتل على قتل ابن عمه.

الفصل الثاني عشر: العوني في وسط خوف من الخارج ورعب من الداخل.

الفصل الثالث عشر: قصة فتح حائل كما رويتها من مدبرها.

الفصل الرابع عشر: آخر أيام العوني ونهاية حياته.

الفصل الخامس عشر: العوني في الميزان.

الفصل السادس عشر: رأي العوني في نفسه ورأي أصدقائه فيه.

الفصل السابع عشر: مختارات من شعر العوني في الحكمة ومن أمثاله.

وعلى الرغم من الاستقصاء الكبير الذي قام به الباحث الكبير فهد المارك -رحمه الله- رواية وشفاهة وتدويناً إلا أنه ترك بعض التساؤلات التي لم يجد إجابة حولها.

ومنها على سبيل المثال: عدم معرفته بصديق العوني في طفولته والذي رثاه في أبيات رائعة جزلة المسمى حمود وقد رجعت إلى شيخنا العلامة محمد العبودي -حفظه الله- عن حمود هذا فأجاب أنه يدعي حمود المبيريك من أهل الربيعية وهي أسرة وإن كانت قليلة إلا أنها معروفة هناك وليست أسرة المبيريك الذين منهم الأمير مبارك المبيريك أمير القصيم سابقاً -رحمه الله- ولا من أسرة المبيريك التي تنتهي إلى أسرة المشيقح الموجودون جميعاً في بريدة. وغير ذلك من التساؤلات التي لو أسندت تلك المخطوطة إلى بعض المهتمين والباحثين لأجابوا عنها.

وذلك تأكيد على أهمية الشعر واعتبار الشعر الشعبي أحد المصادر الهامة لتاريخنا خلال حقبة لم يتم تدوينه فيها إلا الشعر آنذاك حيث كان وسيلة مهمة لتدوين الأخبار والحوادث والوقائع والمعارك.

خصوصاً تلك الفترة المهمة التي يحصرها فهد المارك في خروج الملك عبدالعزيز من الكويت سنة 1318هـ حتى سنة 1340هـ.

ولقد أكد الباحث القدير فهد المارك -رحمه الله- أن العوني -رحمه الله- لم يكن محدود الميول ولم يكن هدفه من شعره المادة والمال فحسب كما هو حال كثير من الشعراء بل كان العوني سياسياً محترفاً زجت به السياسة في أتونها وجعلته يتقلب في حساباتها التي تخطئ وتصيب.

بل إنه شبه العوني بشاعر العربية المعروف محمود سامي البارودي وكانت مقدمته مستوفية لمكانة العوني التاريخية والأدبية وعلى الرغم من الاستقصاء الدقيق الذي حفل به كتاب المارك عن العوني وخصوصاً روايته ونقله إلا أن الطباعة الضعيفة والمليئة بالأخطاء الإملائية اللغوية تحتم ضرورة طباعتها من جديد.

ومما أشار إليه المارك -رحمه الله- أن العوني هو أول شاعر شعبي استعمل الأدب الرمزي وذلك في قصيدته (البسيسة) والتي كانت يلحنها عبدالكريم المكادي بصوته الجميل الشجي والتي كانت على لسان جواده التي يعشقها عشقاً عظيماً.

وقد أخذ المارك القصيدة عن المكادي نفسه.

أما الفصل المهم الذي أبدع فيه المارك فهو تفصيله للحياة الاجتماعية والسياسية التي عاشها العوني بدءاً بطفولته التي ولد فيها ب(الربيعية) القريبة من بريدة وعاش يتيماً ثم رحل مبكراً إلى خاله بالكويت ابن دعيج قبل أن يستقر في بريدة.

ويشير الشيخ العلامة محمد العبودي في كتابه مشاهد من بريدة قبل (75) سنة إلى فصل عقده وسماه بيت العوني ما نصه فما أن تصل إلى منجرة الأميِّر إلى يسار شارع الصناعة وأنت متجه جنوباً حتى تصل زقاقاً أو شارعاً على جهة يمينك ينطلق من شارع الصناعة متجهاً إلى الغرب وفي رأسه منجرة أخرى، فإذا سرت فيه نحو 9 أمتار وصلت إلى بيت الشاعر العامي الكبير: محمد بن عبدالله العوني.

كان والدي -رحمه الله- يحدثني عندما كبرت قليلاً عن العوني، ومن ذلك أن الملك عبدالعزيز آل سعود قال للعوني عندما تغلب هو ومن معه من أهل القصيم على عبدالعزيز بن متعب الرشيد بعد سنة السطوة في عام 1322هـ قال: اطلب يا العوني، يريد أطلب ما تريد أن يكون لك من البروة، والبروة هي المقرر السنوي من التمر أو القمح وهما المحصول الرئيسي الذي يحصل عليه الملك من الفلاحين ويدخله بيت المال على سبيل الزكاة أو نحوها.

فقال العوني: أنا- يا طويل العمر- ما أبي إلاَّ (حرف واحد) (ألف) من العيش، يريد ألف صاع من أصواع العيش.

قال لي والدي وقد رأيت أكثر من مرة الحمول وهي التي تحملها الإبل تنيخ عند بيت العوني هذا وهي عشرة جمال كل جَمل منها عليه مائة صاع من القمح في عدلين متساويين، والألف الصاع هو حمل البعير المعتاد من القمح ونحوه لأن ذلك يساوي مائتي وزنة أي (300 كيلوجرام).

أقول: ذلك لأن العوني كان اللسان الناطق بالشعر المؤثر للملك عبدالعزيز آل سعود عند استرداده نجد من آل رشيد فكان ينظم القصائد الرنانة المؤثرة، ويكون لها وقع الجيوش في بعض الأحيان.

ويكفي المرء شاهداً على ذلك قصيدته المربوعة الطنانة التي سارت في البلاد مسير القمر في السماءِ، وعدد فيها مآثر الملك عبدالعزيز آل سعود وسيرته في غزواته حتى سماها بعض المتعلمين المتأخرين بالملحمة، أما أهل القصيم فيسمونها (المستحيطة) بمعنى (المحيطة) لأنها أحاطت بذكر جميع غزوات الملك عبدالعزيز ومقارعته مع أهل القصيم حكم عبدالعزيز بن رشيد.

وهي موجودة في ديوانه، ولكنها تنقص أبياتاً يعرفها أهل الشعر من أهل القصيم، وأولها:

قوموا كفاكم شر ميلات الأقدار

شيب الذرى، فجِّ المناحر يعابيب

شيلوا على هجن لهن الطلب دار

هواربٍ تقطع مدى بيد الاقفار

ومن الطرائف التي تحكى عن العوني في شبابه أن والده عبدالله العوني كان (ستاد طين) أي معلم بناءِ ماهراً وهو معروف بذلك حتى إن منيته عندما كبر كانت بسبب وقوعه على رأسه من جدار عال كان يبنيه.

وكان كل ما يريده أن ينشأ ابنه بارعاً في صنعته أي صنعة البناء، غير أن الابن كان له اهتمام آخر فكان يقول الشعر ويجالس الشعراء، فقال له والده: يا ولدي- يا محمد- اترك الشعر، عليك بصنعة أبيك، تراي أنا ابني البيت بأربعين يوماً.

فقال ابنه محمد العوني: يا بيي: إن كان أنت تبني البيت بأربعين يوماً أنا ابني باليوم أربعين بيتاً من بيوت الشعر. انتهى كلام العبودي.

وعلى الرغم من تحفظ المارك - رحمه الله- على تاريخ ولادة العوني إلا أن إبراهيم المسلم -رحمه الله- حاول الجزم بأن تاريخ ولادته كانت 1285ه، وهذا بلا شك اجتهاد منه فقط -رحمه الله- كما أنه على الرغم من تردد والده على بريدة لبناء البيوت إلا أن علاقته آنذاك ب(آل مهنا) كانت حتى قبل قدومه إلى بريدة وعبدالعزيز بن عبدالله المهنا كان أخوه من الرضاعة.

وعندما استقر والده اختار سكناً قريباً من آل مهنا ثم طلب العلم محمد العوني على الشيخ سليمان بن علي المقبل قاضي بريدة -رحمه الله- والشيخ محمد بن عبدالله بن سليم والشيخ محمد بن عمر بن سليم - رحمه الله.

أما زواج العوني فيشير إبراهيم المسلم أنه تزوج امرأة عراقية وأنجب منها ولداً توفي مبكراً وبناته منيرة ونورة ولولوة ولم يبق إلا نورة التي تزوجت لاحقاً من قريب لها حتى توفيت -رحمهم الله جميعاً.

أما المارك فيشير إلى أن العوني تزوج أيضاً فتاة من حائل ومن أسرة عريقة معروفة وهي ابنة عثمان بن ليلي وهي ابنة عم رشيد باشا بن ليلي وكيل ابن رشيد في الأستانة.

كما أن له أخاً اسمه حمد أشار إليه في بعض قصائده وعدة أخوات منهن زوجة سالم السولو -رحمه الله.

وعلى الرغم من إجماع قراء ونقاد الشعر العامي على أن العوني أشعر شعراء نجد كما قال ذلك إبراهيم الطامي في كتاب ديوان الشعر النبطي المختار إلا أن إغراقه في السياسة صرفه عن طروق الشعر وفنونه.

ومنها قصيدته المؤثرة التوبة التي يقول فيها:

لو كان ذنبي راجح بالجبالي

عفوك عظيم ليس ذنبي عديله

أما ما أمتاز به كتاب إبراهيم المسلم -رحمه الله- فهو نقله الكثير عن معاصرين للعوني مصل عبدالرحمن الذايدي ومحمد السيف وسالم السولو وغيرهم.

إلا أن فهد المارك -رحمه الله- حاول استغراق كثير من القصائد وتفاصيلها من صديقه الشيخ عبدالعزيز بن زيد -رحمه الله- وهو وكيل ابن رشيد في الشام وكانت معلوماته هائلة للغاية أضفت على الكتاب توثيقاً متميزاً.

وفي الختام فإن الشاعر العوني يُعد بحق شاعراً فذاً يستحق الدراسة مع ما ارتكبه من أخطاء أورده فيها لسانه وحسبك أنه شاعر!

مع ما اختزنه شعره من معلومات وتفاصيل عن تلك المرحلة الهامة من تاريخنا.

وإني أكرر دعوتي لدارة الملك عبدالعزيز وهي المحضن والراعي الرسمي والأول لتاريخنا أن يتم تكوين فريق بحثي عاجل يُعنى بجمع ما دونه الشاعر العوني - رحمه الله) وتحقيقه ودراسته ونشر كتاب الشيخ الأديب فهد المارك بعد مراجعته خصوصاً وأن الدارة سبَّاقة إلى الجرأة في ميادين البحث وما إصدارها لكتاب (إمتاع السامر) إلا دليل على أن لا تكون المادة العلمية مدعاة للتداول السري مما يتيح غياب المعلومة الحقيقية الصحيحة.

كما يجدر الاستفادة من كافة الكتب والبحوث المنشورة والمخطوطة عن شعر العوني والتي أشرت إلى بعضها في هذا المقال المقتضب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد