إذا تتبعنا أية جريمة، كالقتل، أو السرقة، أو الاغتصاب، أو أي عمل إرهابي نجد أن ثمة أسباباً - ولا نقول مبررات - تقف خلفها، فإما أن تكون أسباباً متعلقة بالفكر أو بالحالة الاقتصادية، أو بالحالة الصحية والنفسية، أو غيرها من الأسباب.
وبالتالي، فإن مكافحة الجريمة والعنف تتطلب معالجة أسبابهما. وهذا يعني ضرورة تضافر الجهود، من عدة قطاعات ومسؤولين، وليس الأمر مقصوراً على الجهات الأمنية فقط، فالأمن أوسع من ذلك بكثير، فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي والفكري والصحي والوظيفي، ومن المهم تحقيقها كلها في أي مجتمع إنساني ينشد الاستقرار. فعلى سبيل المثال، تسبب غياب الأمن الغذائي في إحداث اضطرابات وصدامات خطيرة في أكثر من عشرين دولة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتالي، فإن معالجة الاضطرابات لن تنجح بالوسائل العسكرية فقط، ولكن لابد من تحسين حالة المواطنين الاقتصادية، وتثقيفهم وتوعيتهم.
وفي مثال آخر، نلحظ تأثير بعض وسائل الإعلام الحديثة كالإنترنت في نشر الفكر التطرفي لدى بعض الشباب وذلك عبر المواقع الإليكترونية المشبوهة، وهذا يعني أننا نواجه مشكلة فكرية بالأساس، ومن انضم للجماعات المسلحة المتطرفة، كان قد تأثر بأفكارهم أولاً عبر التغرير به واستغلال سذاجته وجهله.كذلك، فإن بعض الجرائم ترتكب من قبل أناس مرضى نفسيين، وهم بحاجة إلى معالجة وتأهيل.
ولذلك، فإن أية إستراتيجية أمنية ناجحة يجب أن تحيط بكل أسباب الجريمة والعنف، ولا تقتصر على المعالجة العسكرية فقط.
وهنا يأتي دور عدد من القطاعات المهمة، كالإعلام، والشؤون الاجتماعية، والدينية، والتعليمية والصحية وغيرها من القطاعات المعنية.
وهذه الإستراتيجية الشاملة تحققت بنجاح في المملكة في تجربتها مع الإرهاب، فالمملكة سعت إلى معالجة هذه الظاهرة الخطيرة عبر العمليات العسكرية الاستباقية، وكذلك عبر التثقيف والتأهيل، والمناصحة، مما أنشأ بيئة اجتماعية متماسكة ومحصنة إلى حد بعيد ضد الفكر الإرهابي المتطرف.