يأتي الموت كسنة إلهية ثابتة يؤمن بها المسلم ويذعن لها ويتقبل نتائجها.. ولا يزال الموت فاعلاً في القريب والبعيد، والحمد لله على كل حال.
لقد غيب الموت عنا أخاً فاضلاً وصديقا حميمًا ألا وهو الأستاذ والمربي الفاضل علي بن صالح الوقيصي (رحمه الله رحمة واسعة) وأنزل على قبره شآبيب الرحمة والرضوان وذلك في يوم الأربعاء الثالث من شهر الله المحرم لعام 1430هـ.
كثيرة هي الأشياء التي تدفعني إلى الكتابة عن الأستاذ الوقيصي -رحمه الله- ومن أبرز ما شدني فيه هو أنه توفر على قدر كبير من الصدق والإخلاص والورع، وتلك سمات نفتقر إليها كثيراً في عالم الماديات والمظاهر الشكلية، ولقد رسم الوقيصي رحمه الله - أستاذي في التربية- مشهداً رائعاً في الصبر والاحتساب، فلم نره شاكياً أو مشتكياً فيما وجده من ألم المرض العضال الذي أضعفه ونال من حيويته المفعمة وألجأه إلى كثير من الفحوصات الطبية في عدد من المستشفيات. إلا أن أبا عبدالله -رحمه الله- أدمن على كلمة مؤمنة واحدة هي (الحمد لله على كل حال) لم يكن ينطقها لسانه فحسب بل كانت ترجمة صادقة لقلبه الواثق بالله وجوارحه المطيعة لأوامره.
زرته قبيل وفاته وهو على فراشه يصارع المرض قبل أن يصاب بالغيبوبة فكان صابراً محتسباً يسأل عن الصغير والكبير من الأولاد والأصحاب.
وكم هي رائعة أيضاً أخلاقه وقيمه فقد كان -رحمه الله- حسن الخلق طيب المعشر طلق المحيا، ولم يكتف بذلك بل راح يبرهن على نقائه وصفائه حين لا يقبل أن يستمع لغيبة أو نميمة، ولقد جسد الأستاذ الوقيصي -رحمه الله- بمسلكه ذلك صورة واقعية قابلة للتحقق في مجال الأخلاق والسلوك فكانت سيرته العطرة أكثر فعالية من آلاف الكلمات المنمقة والخطب الرنانة. فالأخلاق ليست شعارات ترفع بل قيم تطبق، ولقد نجح فعلاً في تطبيقها بشكل دقيق في مجال عمله وتعاملاته الإنسانية والاجتماعية.
وأعود مؤكداً على أن حاجتنا الماسة لتلمس مثل تلك النماذج التربوية فالقلوب تحيا بذكرها والسلوك يقوم بسيرها، فربَّ سيرة أحيت ألف سيرة.
رحمك الله أبا عبدالله وبارك لك في عقبك، وعزائي إلى أسرته خاصة وجميع محبيه عامة، وأسأل الله العظيم أن يلهم الجميع الصبر والسلوان ويعظم لهم أجراً، فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بقدر.
- بريدة