كلمة طابور غير عربية فأصلها تركي، وقد أصبحت كلمة دارجة تدل على:( وقوف مجموعة من الأشخاص على شكل صف بانتظام في مكان معين للوصول لما يخصهم دون إحداث فوضى ) ولو أبعدنا النظر قليلا للتعرف على مدلول وروح الطابور بغض النظر عن المعنى السائد له لتبين لنا أنه يدل على نظام وآلية لإنجاز جميع أعمال الفرد وحصوله على حقوقه داخل المجتمع بشكل مرتب ومنظم، يرتضيه الفرد دون تضجّر أو تأفف، أو حدوث مشكلة أو وجود عائق، وبدون ضرر ولا ضرار، فعندما ترى كافة أفراد المجتمع اعتادت الالتزام بالطابور منهجاً وسلوكاً من خلال احترامهم له أثناء مزاولتهم لمهامهم اليومية تعرف أن ثقافة الطابور قد ترسخت فيهم منذ نشأتهم، حتى اعتادوا عليه وألفوه وتبيّنت لهم فوائده وبعده الثقافي، وهذا دليل على وعيهم وتقدّمهم وتطورهم ورقيّهم الفكري واحترامهم لمعنى الإنسانية، فثقافة الطابور والتزام الأفراد والمجتمعات بها نابع عن قناعتهم ومعرفتهم بمبادئه وأسسه وقيمه والتي منها:
1 أن الناس سواسية وكل ذي حق سوف يأخذ حقه.
2 احترام الطرف الآخر مهما كان، وعدم التعدي على حقه.
3 أنه لا فرق بين الناس، فالأولوية في الإنجاز حسب الترتيب.
4 منع التجاوزات والواسطات التي تخل بسير الحياة اليومية.
5 احترام النظام، وأنه الحل الأمثل للإصلاح والتطور والتقدم.
6 جميع المعاملات مبنية على العدل، ذلك المبدأ الذي قامت عليه السماوات والأرض.
لذا فاحترام الطابور والأخذ بروحه يجعل الفرد أكثر ترتيبا وتنظيما وإنجازا لأعماله اليومية بيسر وسهولة، وتقديراً للآخرين، ودليل على سعة الأفق وبعد النظر، وتعجب عندما تعلم بأن بعض مجتمعات الدول الغربية التزمت بثقافة الطابور قبل أكثر من مئة وخمسين عاما وهذا من أسباب تقدمهم وإبداعهم في مجالات الحياة العامة وبعض المجتمعات العربية حتى الآن لم تستوعب هذه الثقافة ومدلولها مع أن ديننا الحنيف يحث عليها فما أن يجتمع مجموعة من الناس في أي مكان عام يحتاج إلى ترتيب ونظام إلاّ دبّ بينهم الخلاف والفوضى وحرص كل شخص على خرق النظام المتمثل في الطابور بفتل العضلات، واستخدام القوة البدنية، والبحث عن الواسطات والعلاقات للتلاعب عليه لمصلحته الشخصية دون مراعاة لمشاعر الآخرين وما يحدثه من خلل، وتعظم المصيبة عندما يعتبر البعض ذلك شجاعة ومفخرة وشطارة، وما أكثر هؤلاء الذين تحوّلت حياتهم إلى فوضى، وأصبحوا أبعد الناس عن التقدم والرقي، وسببا في التخلف وإظهار مجتمعهم بصورة فوضوية.
إن نشر ثقافة الطابور بما تحمله من معانٍ إنسانية مسؤولية كافة فئات المجتمع بداية من الأسرة وولي أمرها فهو القدوة لأهل بيته، ومن ثمّ يأتي دور المؤسسات التربوية والإعلامية بشتى الأساليب والطرق، وتكثيف البرامج والأسابيع التوعويّة التي تربي الناشئة وتغرس فيهم حب النظام وأهميته، وضرورة احترامه واحترام الآخرين وحفظ حقوقهم، مع ضرورة الأخذ على كل يد تحاول العبث أو التعدي على (ثقافة الطابور).
malqwehes@gmail.com