استطاعت المرأة السعودية بما حباها الله من نعمة اتقاد العقل والنبوغ والذكاء والحكمة، وما وفرته الدولة لها من فرص التعليم والتأهيل. وما هيأته البيئة لها من مناخ اجتماعي صحي مواتٍ للرقي والتقدم: مكنها ذلك كلها من إعمال العقل وتفعيله، واحترام معطياته مسلحة بالإيمان والثقة بالنفس وبشفافيتها وحنكتها .. أدركت دور العقل وحقوقه وممكناته للانطلاق بها في مجالات التأثير والفعل التنموي المتكامل.. المتواصل.. المقدام.
وفي هذا المقال سنتتبع بعضاً من مؤشرات سيرة المرأة السعودية التنموية وكم هي نبراس منير.. وشمس ساطعة بالإبداع في كل مجالات النمو والإصلاح والإبهار والتطوير.. وعلامة متألقة في تاريخ المملكة.
لقد استطاعت المرأة السعودية أن تثبت وجودها وتؤكد ذاتها، وأصبحت مشاركة للرجل بنصيب وافر في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية وتزويد البلاد بالاختصاصات الفنية والخبرة الاستشارية في مختلف المجالات مزودة بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة لتساهم في بناء وتدعيم المجتمع وتوجهه المستقبلي وسموه ورفعته.. فمنهن باحثات وعضوات هيئات تدريس بالجامعات أروقة العلم وحضانات البحث العلمي ومنهن الطبيبات والإعلاميات ومهندسات الديكور والمعلمات والصيدلانيات والأدبيات والكاتبات ممن لهن آراؤهن وأفكارهن التي نحترمها ونجلها، ومنهن الاختصاصيات الاجتماعيات والنفسيات والمخترعات والعالمات. ونذكر في هذا الصدد - وعلى سبيل المثال لا الحصر- العالمة (حياة سندي) التي تعمل بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).. وغيرهن كثير.
لقد استطاعت المرأة السعودية بتألقها الفكري وقدراتها العلمية وروحها الوثابة بدورها المزدوج إزاء وجودها الخاص، ونحو مسؤولياتها الوطنية العامة، وإزاء تفوق المرأة- العلمي والمهني - من جانب، وقدرتها على إحداث التوافق بين الخاص والعام من جانب آخر، ولما بلغه الرجل ذاته من نضج اجتماعي مشهود وعلم راقٍ، ومعرفة واسعة بمطالب الحياة المتطورة آمن بأن المرأة أبداً لم تعد قابعة في محيط مهمش أو في تبعية ذات استسلام مطلق لا تتجلى فيه بذاتها بل بغيرها، نظراً لأن الدعة اللاإرادية تتوارى فيها ملكاتها وقدراتها في نطاق خفي، وإنما مدَّ إليها يد العون والمساعدة طواعية دعماً لطاقتها وتعزيزاً لتقييم العمل الضمني بأساليب مباشرة وغير مباشرة مستهدفاً المشاركة الفاعلة التي يؤدي فيها الطرفان دوراً بارزاً للنهوض بمجتمعنا ونمائه لمزيد من تطوره وتقدمه. إن هذه المشاركة الفاعلة والجادة ستساهم بلا جدال في رفع كفاءة نوعية، وحجم ومدى الحراك الاجتماعي، والانتقال بالمجتمع من حال إلى حال أجل وأعظم.
وها هو الرجل السعودي من خبر الحياة الآنية بات يدرك بمكانته العلمية وقدراته العقلية استشراف المستقبل، فمنح المرأة مكانتها الاجتماعية اللائقة لطبيعتها الأنثوية وقدراتها العقلية ومهاراتها العملية واستعداداتها النفسية التي تمكنها بمقدرة عالية وثقة في النفس واستشعار بالمسؤولية الاجتماعية أن التوازن بين قيم الأصالة (الأصلية) التي قوامها الدين والأخلاق، وقيم التمدن (المعاصرة) التي قوامها الوطنية ومصداقية الانتماء.
ويمثل هذا التوازن إمكانات الوعي بالتطور الاجتماعي، وما تقتضيه ضرورات التغير ومتطلبات التنمية المستدامة وطبيعة المرحلة والواقع الراهن.
والحقيقة التي يجب إيداعها تسجيلاً لحساب المرأة السعودية بكل فخر وإعزاز وتقدير، أنها قد أحرزت عن طريق تحقيق إستراتيجيات المخططات التنموية الوطنية الشاملة والمستدامة مكاسب يقينية نذكر منها ثلاثية الارتقاء بالمرأة:
أولاً: إتاحة الفرصة وتوفير الإمكانات اللازمة لتعليمها في المستويات المختلفة وفي جميع مراحل التعليم سواء في الداخل أو الخارج.. العربي والأجنبي.
ثانياً: خروجها للعمل في قطاعات العمل والمهن المتخصصة التي كان يظن أنها وقف على الرجل وحده، كما ثمنت الدولة جهدها وحجم إنتاجها وكفايته وجودته فمنحتها إزاءه أجراً منتظماً ذا قيمة محسوبة يمكن الاعتماد عليه في تأمين الإنتاجية الاقتصادية أو الخدمية مما يحتم علينا القول بكل ثقة: إن مشاركة المرأة السعودية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمساهمة والعطاء في تطوير مجتمعها بات في حدود ما رسمته الشريعة الإسلامية الغراء من قبيل (الضرورة الاجتماعية).
ثالثاً: تحررها الفكري في حدود ما رسمته الشريعة الإسلامية الغراء، وإمكانه طرح رأيها والتعبير عن قضاياها وقضايا مجتمعها بما يتمشى مع الأسس والقواعد المعلمية.
هذا التحرر الفكري جعل المرأة السعودية تتسم بالمبادأة الفكرية والاستقلالية المرغوب فيها. وتظهر هذه السمات جلية في الفن والأدب حتى يكون إنتاجها محفوفاً بالذوق الجمالي، وتعلم المرأة التي تنتج في حرية هذا النوع من الإنتاج أن الذوق الجمالي ليس قاصراً على السلع العقلية وحدها لكنه ينسحب على السلع المادية كذلك.
وأود أن أوضح أن هذا التحرر الفكري لا يمكن إعماله إلا في ضوء قيم ومبادئ وثقافة المجتمع التي تم تشربها واستدماجها في الذات من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي الإسلامي الصحيح.. ومن خلال تمثل القدوة الصالحة، الأمر نفسه الذي اكتسبته عن طريق أساليب التربية الوالدية عن الدور المنوط بها في الأسرة كزوجة وأم، ومن المشهود للمرأة السعودية مهارتها الفائقة في العلاقة الزوجية كشريكة حياة ممتازة وعفيفة وفاضلة، ولا يمكن لأحد أن يقلل من ذلك الدور الرائع والتزاماته المحددة التي لا يمكن التغاضي عنها، فهي تعي وتدرك أن التنظيم الاجتماعي الأسري ينهض على أسس التفاعل في علاقات التواصل بين أفراد الأسرة: حميمية المشاعر بين بعضهم البعض بكل مودة وحب واحترام، والتفاني في التعاون والتسامح الداعم للتوافق والرضا النفسي المواتي للتمتع بالصحة النفسية والاعتداد بالذات المسؤولة.
** ولا يتحقق هذا إلا من قبل امرأة نالت قسطاً وافراً من التعليم والتأهيل والتدريب واكتسبت دوراً وظيفياً كأساس للتفاعل وتمكنت من تحصيل قدر من المعارف العامة واستفادت من مخرجات التجربة بأن ثمة مؤثرات في المناخ الأسري يتوجب الإلمام بها، وأن ثمة مداخل الشخصية - حسب النمط واسمه والمكانة - يجب التحوط بها كي تصبح الحياة في التنظيم الاجتماعي الرسمي واللارسمي جد ميسرة قائمة على تكامل في الأدوار مما يحقق لكلا التنظيمين الاستقرار الآمن والتطور المنشود.. المدعوم بالإرادة الإنسانية القويمة وتوفير متطلبات النجاح.
اللهم أدم علينا نعمتك وأمنك واحفظنا من كل سوء في ظل شريعتنا الغراء بدعم ومساندة ومتابعة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين.