استبشر السعوديون خيراً عندما أطلق الملك عبد الله خطوات الإصلاح والتجديد. شعروا أنهم يدخلون بالفعل إلى مرحلة تاريخية جديدة، تتماهى مع متطلبات العصر ومستجداته من جهة، ومن جهة أخرى مع التحديات التي جعلت من الإصلاح والتقويم ضرورة ملحة لتصحيح المسيرة، فشرط (الحيوية) الذي هو أحد أهم شروط بقاء الدول يتطلب مثل هذه الإصلاحات، التي لم تقف عند تغيير الأشخاص، وإنما طالت البنية الهيكلية التنفيذية ذاتها في بعض التفصيلات، وهي إشارات عميقة الدلالة تبعث على الاطمئنان.
غير أن الذي يجب أن نتنبه إليه أن القرار بمجرد صدوره لا يعني أن الإصلاح تحقق، نعم هو الخطوة الأولى، وربما الأهم للبداية، غير أن المتابعة والرقابة على التنفيذ، ومن ثم (المحاسبة)، هي الجزء المتمم (لتفعيل) هذه القرارات، وربما الشق الأصعب في عملية الإصلاح. وأي قرار إصلاحي إذا لم تتم متابعته وتقويمه قد ينتهي إلى وضع الثبات، إذا لم يكن القهقري.
ولتحقيق الإصلاح بمعناه الشامل (عملياً)، أرى أن وجود هيئة مستقلة، مربوطة برئيس مجلس الوزراء، أمر ضروري. هذه الهيئة يكون من شأنها (أولاً) مطالبة من تم تعيينه على رأس هيكل أي مؤسسة تنفيذية أن يقدم خلال مدة محددة - شهر مثلاً - من تعيينه، برنامجاً تفصيلياً، يلتزم به، يقدم إلى خادم الحرمين، بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، وعند الموافقة عليه، تنتقل (ثانياً) مسؤولية متابعة تنفيذ هذا البرنامج إلى هذه الهيئة، لتقوم بشكل دوري، بمتابعة ما تم تنفيذه، ورفع مرئياتها إلى مقام رئيس مجلس الوزراء.
مثل هذه الهيئة سيكون عملها منصبّاً على رقابة البرنامج الذي التزمت به الجهة الحكومية بعد تغيير رأس الهرم منها، لتكون بمثابة (الآلية) التي تكشف للقيادة (مبكراً) عن وجود أي خلل في عملية الإصلاح، أو تقاعس، ليتسنى تقويمها قبل أن تستفحل وتصبح واقعاً يتفاقم مع مرور الزمن.
ومن واقع تجربتنا مع مثل هذه التعيينات فإن كثيراً من المسؤولين في بدايات تعيينهم يكونون متحمسين للإصلاح وتقويم الاعوجاجات في الجهاز المعينين على قمته. ومع الزمن، وبعد أن يغرق المسؤول في العمل البيروقراطي اليومي، يقل شيئاً فشيئاً حماسه لتنفيذ الأهداف التي جاء لتنفيذها.
وجود هذه الهيئة، وتفعيل رقابتها، والتقارير التي ترفعها للقيادة بين الحين والآخر عن عملية الإصلاح، سترفع من مستوى الرقابة على التنفيذ، وتكون مرآة تعكس مسيرة الإصلاح (عملياً)، ومدى قدرة المسؤول على تنفيذ الطموحات التي جاء لتنفيذها، والتزامه بها كأهداف على أرض الواقع.
بقي أن أقول إن الترحيب المنقطع النظير الذي لقيته القرارات الملكية الأخيرة على المستوى الداخلي، وكذلك الخارجي يحتاج إلى مثل هذه الآلية بشكل ملح.
وكما سبق وقلت في مناسبات أخرى أن الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، فالخطأ جزء من النجاح لا يمكن البتة تفاديه في مسيرة الإصلاح، غير أننا معنيون بتقويم الأخطاء والتنبه للانحرافات لتلافيها في بداياتها. مثل هذه الآلية المقترحة ستحد من الأخطاء قبل استفحالها، كما أنها ستكون (معياراً) لمدى التزام المسؤول (الجديد) بالأهداف التي يتوخاها خادم الحرمين الشريفين من قراراته الإصلاحية. إلى اللقاء.