بعض المواقف تحس أنّ قلمك عاجز أن يخط حرفاً، أو ينقل بعض ما يمور بداخلك من مشاعر: إنْ حزناً أو فرحاً.
لقد عشت هذا الإحساس خلال الأيام الماضية عندما تلقّيت خبر الراحل الغالي عبدالله بن محمد الحقيل أبو هشام غفر الله له ورحمه.
إنّ بعض الناس لا تتصوّر رحيلهم من هذه الدنيا، وانتقالهم من ظهر الأرض إلى بطنها لولا إيمانك بأنّ ذلك مصير كل حي: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57)سورة العنكبوت.
***
أ. عبدالله الحقيل كان (حقلاً) من محبة وتسامح وابتسامة ومروءة وحرص على الخير بماله وجاهه وتواصله ومواساته للمرضى - جعل الله الجنة مأواه -. إنه من النادرين الذين يتّفق كل من عرفه على هذه الشيم التي تستوطن قلبه ووجدانه.
***
من هنا كان فراقه صعباً، والحزن عليه كبير... وما ذلك الحضور الكبير في جامع الملك خالد للصلاة عليه وما ذلك التشييع الغفير له من أحبابه في مقبرة أم الحمام إلاّ إحدى علامات هذه المحبة.. والأهم - بحول الله - محبة الله له كما أحبّه عباده.
***
الراحل الغالي لم يفارقه صبره، ولا ابتسامته ولا إنسانيته.
لقد كان أحبابه عندما يتصلون به وهو في أشد حالاته تعباً في أمريكا يشعرهم أنه بخير وصحة، وأنه سائر بالعلاج بشكل جيد.
كان - رحمه الله - لا يريد أن يزعج من يحبونه وينتظرون عودته.. وعاد إليهم ليدفن جسده في وطنه الذي أحبّه وتفانى في خدمته، ولتصعد روحه إلى بارئها فتسعد وتهنأ بجوار الغفور الرحيم بحول الله.
***
لا أزال أذكر عندما عاد من رحلة علاجه الأولى وزرته في بيته كيف كان يتحدث إلى زواره بصوته الهادئ عن آماله لهذا الوطن، وأهمية مشاركة كل مواطن في أي مفصل من مفاصل تنميته.. كان يحمل هذا (الوطن) في قلبه: إنجازاً فاعلاً، ورأياً سديداً، وإخلاصاً نادراً.
لقد كان - رحمه الله - صادقاً عندما يقول لك أو يتعامل معك أو يعدك، أذكر عندما أنني أرسلت إليه (رسالة) بعثها إليّ شاب سعودي عاطل شعرت من رسالته بأنه محتاج وصادق في بحثه عن العمل سارع إلى تعميد أحد مسؤولي الموارد البشرية (ببنك ساب) للاتصال بهذا الشاب ومقابلته، وإذا كان مناسباً يتم توظيفه.. وفعلاً تم ذلك رحمه الله وجعل ذلك له من الباقيات الصالحات له.
***
أ. عبدالله الحقيل من الرجال الذين يخسر الوطن بفقدهم ويخسر (فضاء الرأي السديد) برحيلهم وتخسر (المروءة) بمغادرته لهذه الدنيا.
وكم تُضحي الحياة معتمة بغياب مثل هذه النجوم الإنسانية النبيلة التي تبعث الراحة في القلوب، والمحبة في وديان الناس، والحكمة في العقول، وقد كان الراحل كذلك وأكثر.
من عرف أ. عبدالله الحقيل لابد أن يحبه ولابد أن تتوثّق علاقته به، فهو لم يغره منصب، ولم يترفّع على إنسان.. إنه على مساحة واحدة في علاقته بالآخرين أغنياء وفقراء رؤساء ومرؤوسين، أصدقاء وزملاء رحمه الله.
***
إنّ عزاءنا جميعاً أنّ هذا الراحل الغالي ترك ذكراً عاطراً سيحفِّز كل من يرد اسمه على باله بأن يدعو له ويترحَّم عليه، وعزاؤنا أنه رحل بعمل صالح - بحول الله - سيكون له شفيعه عند بارئه.. وعزاؤنا أن أبقى أولاداً أخياراً سوف يُبقون ذكره وعطاءاته بالاستمرار على نهجه في خدمة دينه ووطنه وفي استمرار أعماله الخيرية، وفي استدامة تواصله مع الناس.
أسأل الله أن يغفر له وأن يرحمه، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا به مع كلِّ الراحلين الغالين علينا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.