مرَّت سبعة أيام على تولي الدكتور الشاعر (عبد العزيز خوجة) حقيبة وزارة الثقافة والإعلام، فهل كانت كافية، ليعبّر الوسط الثقافي والإعلامي (تحديداً)، عن تطلعاته في مستقبل وزارة الدكتور الخوجة..؟
* أعتقد ذلك.. أعتقد كذلك؛ أن وزيراً في مثل شخصية الدكتور الخوجة، يحرص على معرفة آراء وأفكار المثقفين والإعلاميين فيما هو مطلوب منه في المستقبل.. البعض من الوسط الثقافي والإعلامي، راح يتخوف من هذا المستقبل، والبعض الآخر يتفاءل، وبعض ثالث بين.. بين.. هل تستمر العجلة في الدوران إلى الأمام، أم تتوقف، أم تتراجع..؟ أسئلة مطروحة ومشروعة في انطلاق هذه المرحلة الإصلاحية الشاملة، فماذا ننتظر من وزير الثقافة ووزارته في هذه المرحلة..؟
* جاء الدكتور الشاعر عبد العزيز خوجة، وقد قطعت وزارة الثقافة والإعلام، شوطاً بعيداً إلى الأمام في زمن قصير.. استطاع السلف الشجاع الأستاذ (إياد مدني)، أن يدمج الثقافة في الإعلام، وأن يُسخِّر وسائل الإعلام، لخدمة ثقافة المجتمع وحضارته، وليعكس مكانة المملكة السياسية والاقتصادية، ويترجم عزمها على النهوض والتقدم، لأخذ مكانة راقية لها وسط هذا العالم.
* وزارة إياد مدني، فتحت نوافذها للنور منذ البداية، وشرّعت أبوابها على الداخل والخارج، وأعادت اللُحمة الثقافية بين أبناء البلد الواحد، وقدمت المملكة وشعبها إلى دول كثيرة في قارات العالم، بالصورة التي افتقدناها سنوات طويلة.. إياد مدني، أعطى الكثير من جهده وثاقب فكره، وتحمَّل الكثير من الأذى في سبيل ذلك، لكن المشوار لم يكتمل بطبيعة الحال.
* يأتي الوزير الخوجة، بمكوّن شخصي يجمع بين الأدب والسياسة، فهو صاحب كلمة مبدعة، وهو شاعر معروف داخل الحدود وخارج الحدود، وهو السفير الذي عاش في مجتمعات مدنية متحضرة.. عاش سنوات في روسيا، وسنوات في المغرب، وسنوات أخرى في لبنان، ومثلها في تركيا، وانغمس في ثقافات هذه المجتمعات المتمدنة، التي تدين بالتعدد الثقافي والمذهبي، وتتمتع بهوامش رحبة من الحرية الفكرية، ولها تجاربها المتقدمة في الانفتاح الثقافي والاجتماعي.
* إن المتابع لما قيل ونُشر خلال الأسبوع الفارط، سوف يقف على صورة (بانورامية) معقولة، لما يختلج في نفوس كافة الأدباء والمثقفين والإعلاميين، من كُتَّاب وشعراء وباحثين ومذيعين وتشكيليين ومصورين وموسيقيين ومغنين وممثلين وغيرهم.. فهم يتطلعون إلى إستراتيجية ثقافية إعلامية واضحة، تجعل من تاريخ المملكة، ومن حضارتها وإمكانياتها، ومن مكانتها الدينية والإقليمية والدولية، مرتكزاً لخلق البيئة الثقافية الصحية المتسامحة محلياً ودولياً، حيث تنضوي إليها، كافة أطياف المجتمع السعودي، بكل مذاهبه ومشاربه ورؤاه.
* ويتطلعون -بإلحاح- إلى الاستمرار في إبعاد الخطاب الثقافي والإعلامي، عن معاطن التطرف والتشدد والتعصب، وتحييد الأصوات الظلامية المعزولة، التي تجهد صباح مساء، لفرض وصايتها على المجتمع وثقافته وإعلامه، ومن ثم جره إلى الخلف، فكل ما يعنيها، هو اختطاف القنوات والمنابر الثقافية والإعلامية، واستلابها من جديد، بعد أن تم تحريرها وانتشالها من هذا المستنقع.
* ويتطلعون إلى تطوير الفعاليات الثقافية السنوية المصاحبة لمعرض الكتاب الدولي، فيكون من بينها مهرجانات شعرية ومسرحية وموسيقية وغيرها، وأن يكون للمدن الطرفية حظ من هذه الفعاليات والمهرجانات.
* ويتطلعون إلى الاستمرار في تكوين الأطُر المنظمة للمنتج الثقافي والإعلامي في عموم البلاد، فبعد تشكيل جمعيات للصحافيين والتشكيليين والمسرحيين، هناك ما يدعو لظهور جمعيات للمؤلفين والموسيقيين والرسامين والمصورين والمغنين والشعراء وغيرهم.
* ويتطلعون إلى المزيد من دعم المؤلفين السعوديين، والعناية بنشر الكتاب السعودي في الداخل والخارج.
* ويتطلعون إلى عودة المسرح السعودي، والمضي في تشجيع المسرحيين، ودعم العروض المسرحية، واستئناس السينما من جديد، بعد غربة دامت ثلاثين سنة.. أين عروض السينما التي كانت تعرفها الأندية الأدبية قبل ثلاثين سنة..؟ وأين دُور السينما التي كانت تنتشر في كثير من المدن في تلك الفترة..؟ وأين مسرح التلفزيون الذي مثّل مدرسة للمواهب الشابة في تلك الفترة..؟!
* ويتطلعون إلى تلبية رغبات المواهب الشابة في بلادنا، من هواة الموسيقى والرسم والتصوير، فيُعاد فتح فصول تعليم النوتة في جمعيات الفنون مثلما كانت سابقاً، ودعم التوجه لافتتاح أكاديميات ومعاهد فنية، تُعلم الموسيقى والرسم والفنون الإنسانية الأخرى، ومراكز تدريبية للإعلاميين من مذيعين ومخرجين ومحررين وغيرهم.
* ويتطلعون إلى تطوير فروع الوزارة في المناطق والمحافظات، من أندية أدبية وجمعيات فنية ومكتبات عامة وغيرها، وجمعها في مراكز ثقافية راقية، لها مقارها الحضارية التي تليق بسمعة ومكانة المكان الذي تنطلق منه.
* ويتطلعون إلى المزيد من الفرص المستحقة للمرأة في المنابر الثقافية والإعلامية، وأن تُمثّل في مجالس الأندية الأدبية والجمعيات وغيرها، شاعرة وأديبة ومذيعة ومنتجة ثقافية في المجالات الإبداعية كافة.
* ويتطلعون إلى بعث فكرة تحويل المؤسسات الصحافية إلى الاكتتاب العام، لتوسيع المشاركة الوطنية فيها، وتعزيز كياناتها وتطويرها في المستقبل، وكذلك مأسسة وتخصيص الإعلام المرئي والمسموع.
* ويتطلعون إلى (صيغة تنظيمية إنسانية)، تسمح بوجود رعاية خاصة لأدباء البلاد ومثقفيها وفنانيها وإعلامييها، فلا يفتقر معها أديب، ولا يحتاج ويُحبط فنان، ولا يُعزل ويحزن إعلامي، ولا يُنسى ويُهمل مثقف، وأن تصبح هذه الرعاية الإنسانية، نفسية وطبية ومالية وتقديرية، في الشكل الذي يُتفق عليه ممن ينتدبون لهذا الأمر -إن شاء الله-.. (المجتمع الدَّفّان)، يجب أن يتوقف عن ممارسة هذه العادة السيئة.
* كم من أديب وفنان وإعلامي، أفنى سنوات طويلة من عمره في خدمة وطنه ومواطنيه، ولكنه بعد أن تقدم به العمر، أمضى سنواته الأخيرة، مع الهجران والنسيان، ثم مات يائساً بائساً مقهوراً..!
* وكم من أديب وفنان وإعلامي، هو اليوم يقارع وحدته، ويغالب سطوة حاجته، وكأنه لم يكن ذات يوم، ملء سمع الناس وبصرهم.. كان فلان الشاعر الكبير، وفلان الأديب المبدع، وفلان الفنان والصحافي والمذيع والمخرج والموسيقي والملحن والرسام والممثل.. و.. و.. و..، ثم لم يعد يذكره أحد..!!
assahm@maktoob.com