نواصل مع عمار ثاني المدلين بشهاداتهم عن جيلهم.., الفاتحين للجميع نوافذ صدورهم.., المتحدثين مع أنفسهم بأصواتهم.., قال: (أقرأ خالتي مع زملائي وأصدقائي ما يعلق به قراؤك عن شؤوننا، فهم أيضاً قد مروا بما نمر، أدري بأنهم وقفوا كما نقف يتفكرون إلى أين نذهب في إجازاتنا إن كنا من غير الموسرين الذين لا يجدون أنفسهم بعد آخر زيارة للمدرسة إلا فوق مقاعد الطائرات لا يدرون كيف تم لهم ذلك؟ ولا من الذي رتب حقائبهم، أما نحن فإن تمكّنا أن نفعل فليس في كل عام، ولا عند كل إجازة، كما أن التكاليف عائق للأغلبية عن الالتحاق بأنشطة (ربحية خاصة) قد توافق رغباتنا لمن فينا يعزف أو لا يرغب أو لا يُتاح له الاندماج في مناشط الألعاب العامة التي تقدمها بعض الجهات الرسمية غير الربحية التي نجدها لا تغطي كل الاحتياجات فنجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام هوة من الفراغ بأوجهه العديدة، والوقت يلفنا مع فراغاته، كما قلنا لا مكتبات، ولا نظام أحياء يتيح برامج تناسب رغبات جيلنا وتسدد حاجاتنا, وتبني قوانا وتعرض مهاراتنا للنور, ولا التفات لجعلنا في مجموعات متجانسة في الهوايات يُخطط لنا للإفادة منا بإفادتنا, ولو بتكاليف مدروسة تناسب الجميع، وإنما نحن مكانك سر: نوم، وسهر، وفراغ، وقنوات فضائية، ومطاعم (الوجبات السريعة) تفتح فمها تلتهم صحتنا بروائحها ومشهياتها، والإنترنت بذراعيه الواسعتين المفتوحتين قيد الطلب تقول للكل منا تعالوا... تعالوا...
بالأمس قلت لك خالتي: كلنا نبحث عن السبل التي نصبح فيها برضاء عن أنفسنا، وننام ونحن مطمئنون لأن يكون غدنا أفضل لمزيد من طموحاتنا، فإلى جانب رغبتنا في العمل وتحديث جداول المدرسة ومناهجها، وتطوير نشاطاتها، نحن أيضاً نتطلع لمجتمعنا لأن يراعي وجودنا فتهتم بنا مؤسساته... نريد مكتبات بأنظمة أكثر مرونة، مفتوحة في كل وقت تدهمنا فيه الرغبة في القراءة، نعم نجد العديد والمفيد فيما تأخذنا إليه مؤشرات البحث الفضائي, ولكن لمن؟ ومن المستفيد الصادق مع إيجابيات هذا الإنجاز البشري العظيم؟
إن فكَّر الجميع في أن مرحلتنا العمرية وخصائصها تعفينا من لوم من يتركنا لوحدنا نصارع الموج وهو لم يعلمنا أبجديات الحماية والوقاية.. بالتأكيد يعرف قراؤك الأعزاء بأن حديثنا عن السواد الأعظم لا عن الأقلية المُعتنى بها من الأهل, نحن يا خالتي نواجه تحديات كبيرة وثقيلة علينا إن لم نزود بالعلم عنها بحيث تكون لدينا الخبرات حصانة لنعي ما الذي نأخذ منها وعندما نأخذ كيف نطور ما أخذناه في صالحنا لا في تدميرنا فإننا سنبقى مستهلكين أغبياء.. وأعطيك مثالاً على ما أقول، خذي مثلاً سياقة السيارة... نحن نتعلمها دون معرفة من أهلنا، وفجأة يجدوننا نمسك مقود العربة وننطلق لا نبالي بصراخ الأم ولا بذعر وحنق الأب، هناك منا من يسألهما: أين أنتما قبل هذا منا؟ لماذا يا أبي لم تأخذني بنفسك لمضمار السياقة وتعلمني؟ كنت سأتذوق الخبرة كما أرشف كوباً من عصير الورد، دعينا من هذا الشعور الذي بالتأكيد لا يحس به ربما لا أبالغ إن قلت الأغلبية، لكن كل واحد من الجميع يهرع لتوفير سيارة لابنه إما للوجاهة، وإما للفرح بطول ساقي ابنه ووصول رأسه للشمس, وإما للتخلص من عبء إيصاله للمدرسة وأخذه لمشاويره الخاصة، ووراء كل هذه الجدر ما وراءها...
فهل الشباب المراهق منا جميعهم لا يستخدمون السيارات الخاصة بهم إلا في الذهاب للمدرسة والعودة منها وقضاء الحاجات عند الضرورة؟.. ثم كيف ومتى يسوقون؟ وهذه الشوارع تكتظ والمآسي حوادث واستهتار وعدم شعور بضوابط داخلية تصد عن قطع إشارة أو السقوط على خط سير أو تجاوز نظام وقوانين السياقة؟ كل هذا هو جزء في منظومة أخلاق علمنا آباؤنا -القدوة المثلى- كما تقولين: (أن الطريق الذي لغيرك هو لك بعد أن يقضي الآخر حاجته منه.. فنظام الخط (أي الطابور) هو نظام أخلاقي ينم عن سلوك منضبط ويكشف عن كيف هي أخلاق الفرد؟) هذا قولك خالتي، وهو ما علمنا آباؤنا نحن الذين نحدثك، وطبعاً أتحدث هنا عن الشاب المنضبط الذي تعرض لصهر تربية والديه وهم قلة، أفاخر أننا تعمدنا أن ننقل لك حال جيلنا كيف ننقده نحن لأن الله خلَّصنا من كثير من عيوبه عندما هيأ لنا آباء وأمهات من الندرة,,.. خالتي أجهدناك لكن هناك الكثير وسوف نركز على نقاط محددة لقضايانا في مهاتفة أخرى.
(نواصل)