Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/02/2009 G Issue 13295
السبت 26 صفر 1430   العدد  13295
سوقنا المالية والأزمة المالية صنوان لا يفترقان.. فاحذروا
د. زايد بن فهد الحصان

 

يتناوب (تجار) الفضائيات على التنقل (اليومي) ما بين قناة وأختها (يدعون) الفهم والقدرة على قراءة الأحداث السياسية والاقتصادية المحلية والعالمية ولا يعلمون أن ما يقومون به هو ضرب من ضروب (الجهل) لا أكثر، فشتان بين من يعي ما يقول وبين من يدعي وهو لا يحمل من المؤهلات التي تعينه على قراءة الأحداث أدناها، وسأخصص مقالة منفردة لمناقشة هذه القضية بإذن الله في يوم السبت 21 مارس القادم، ولكن ما دعاني إلى الإشارة لهذا الموضوع في هذا الوقت هو غضبي الشديد على تصريح لأحد هؤلاء قبل فترة قصيرة بأنه يتوقع خلال يومين، ووفقاً لمعطياته الخاصة المحلية منها والدولية، بأن مؤشر سوق الأسهم السعودية سوف يخترق حاجز الخمسة آلاف نقطة قبل إغلاق تداولات الأربعاء ما قبل الماضي. وللتذكير فقط، فقد لامس المؤشر أدنى نقطة له يوم الأربعاء الماضي عند المستويات الدنيا لـ 4600 نقطة بدلاً من أن يكون فوق مستويات الخمسة آلاف نقطة، كما توقع صاحبنا، لذا أجدني مضطراً للكتابة مرة أخرى عن بركان العصر الحديث وحتى يكون المواطن العادي على بينة من أمره ولكي لا يخسر ما تبقى له من أموال (إن كان قد بقي شيء منها) باقتناعه بآراء من يحللون ويجادلون على القنوات الفضائية، فأقول وأكرر ما يردده الخبراء الحقيقيون في كل بقاع الدنيا من أن الأزمة المالية العالمية إن لم تكن قد وصلت إلى ذروتها بعد فهي على أية حال لا تزال تعصف بمقدرات الاقتصادات العالمية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق. فهاهو الاقتصاد الياباني يعاني أشد المعاناة ويمر بفترة عصيبة لم يشهد لها مثيل منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، وليست الاقتصادات الأوروبية بأحسن حال من غيرها من الاقتصادات المتطورة، فالاقتصادان البريطاني والألماني يعانيان حالياً من تدهور في جميع مؤشراتهما الاقتصادية وبشكل غير مسبوق ومنذ أكثر من عقدين من الزمن. وليس الاقتصاد الصيني والذي يعتبر الاقتصاد المعجزة بتحقيقه لأداء أقل ما يقال عنه بأنه خيالي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، بأحسن حالاً من غيره من الاقتصادات المتطورة والناشئة في آسيا، حيث بدأ التنين الصيني مؤخراً بإرسال مؤشراته السلبية بدءاً من الارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة المحلية إلى تأثر تجارة الصادرات مما أشاع الخوف في الاقتصادات الآسيوية الأخرى. هذه الانحدارات المتتالية والمتواصلة في الاقتصادات العالمية في الشرق وفي الغرب أثارت مشاعر القلق والخوف لدى أغلب الاقتصاديين في العالم، وقد جاوزت هذه المؤشرات في سلبيتها توقعات أكثر المتشائمين من الخبراء الاقتصاديين حول العالم، لا أقول هذا الكلام لزرع الخوف هنا وهناك، ولكن ما وددت التركيز عليه هنا هو القول بأن الأزمة المالية العالمية قد دخلت فعلاً مرحلة جديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية بدخولها نفق (الشمولية العالمية) بحيث إنه لم يسلم حالياً من تأثيراتها السلبية أي اقتصاد في العالم، فقد كان من المؤمل أن تقوم بعض الاقتصادات العالمية كالصيني (انكمش بنسبة تزيد على 6%) والياباني (انكمش بنسبة تفوق 12% خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من 2008) بالإضافة إلى الاقتصاد الألماني (انكمش بنسبة تزيد عن 2%) بمساعدة الاقتصاد العالمي على تجاوز أزمته ولكن البركان أعظم مما هو متوقع، فلايزال الاقتصاد الأمريكي وهو الاقتصاد الذي يقع على فوهة ذلك البركان يستنجد ويطلب المساعدة بعد أن انخفضت حالياً مؤشرات أسواقها المالية الرئيسة لما دون حواجزها النفسية القوية ولكن لا حياة لمن تنادي.

انخفاض، بل تلاش شبه تام للطلب العالمي على جميع أنواع المنتجات (المالية وغير المالية) في كل اقتصاد من الصين لروسيا للبرازيل وحتى المكسيك التي تواجه عملتها حالياً شبح الانهيار، ولعل أجمل ما قرأت في وصف حالة الواقع الاقتصادي العالمي كان يوم الثلاثاء الماضي وهو تعليق للاقتصادي اللامع السيد دومينيك شتراوس - خان الذي يرأس حالياً صندوق النقد الدولي حينما شبه حالة الاقتصاد العالمي اليوم بأنه (كالمنزل الذي يحترق ويجب علينا التصرف كما لو أننا رجال المطافئ)، وختم تعليقه بقوله (إنه ليس متفائلاً) فيما يخص حالة الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، وهو يراجع حالياً توقعات الصندوق السابقة للنمو العالمي لتخفيضها.

كل ذلك يعني أن الظروف الاقتصادية لا تسير بالشكل الذي تتمناه حكومات الدول ولا مواطنوها، ونحن لسنا بمعزل عن تلك الحلقة الاقتصادية العالمية المتداخلة؛ فالتأثير السلبي طال مؤسساتنا بأنواعها ومشاريعنا الحكومية والخاصة ولا أبالغ حينما أقول إن الضرر سوف يطال جميع جوانب الاقتصاد المحلي (وقد يكون أول إشاراته قيام البنوك بحملة تصفية لموظفيها، لتتبعها باقي الشركات الأخرى) وسينعكس الأثر السلبي بصفة خاصة على سوق الأسهم السعودية، ويجب أن لا يفهم الضرر على السوق المالية بأنه يعني مزيداً من الانخفاضات في المؤشر ولكنه يعني العكس تماماً، فالسوق المالية لكي تتعافى وتبدأ في تسجيل أداء إيجابي (حقيقي) تحتاج إلى قوى مالية كبيرة (كبار المستثمرين من أفراد ومؤسسات) ولكن هذه القوى المحلية أنهكتها الأزمة المالية العالمية حتى خارت قواها، وبدأت بسحب أموالها من السوق المالية المحلية لتعديل مراكزها في الأسواق الخارجية، وهذا من أكبر الأخطاء التي تقوم بها تلك القوى فهي كمن يعالج الخطأ بخطأ أشد فداحة من سابقه.. ولكن من المؤسف أن هذا هو ما يحدث حالياً وهو ذو تأثير سلبي كبير على أداء السوق المالية المحلية التي أرى أنها لن تتعافى إلا بعد حين. ولا ننسى أبداً تحذيرات الرئيس الروسي الخبير السيد بوتين كأول مسؤول كبير يشير إلى احتمالية أن تستمر تأثيرات الأزمة المالية العالمية على شدتها طوال عام 2010. ومجمل القول إن طريقنا ليس سهلاً ولا قصيراً.. والمخاطر تحف به من كل جانب.. فاحذروا!!

أستاذ العلوم الاقتصادية والمالية بجامعة الملك سعود


alhosaan@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد