افتتح (ملتقى الاستثمار في المتوسط 2009) بفندق إنتركونتيننتال فينيسيا بالعاصمة اللبنانية بيروت أمس بحضور أوروبي وعربي ولبناني حاشد تجاوز الـ 500 مشارك. وقال مدير عام مجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبوزكي في كلمته: (إن أهمية اللقاء كونه يأتي في ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية غير مسبوقة منذ عقود طويلة، وانه جمع خير ممثلين عن قطبين حضاريين وسياسيين واقتصاديين أساسين في عالمنا المتغير، أوروبا بأطرافها المتنامية والعالم العربي من مشارقه إلى مغاربه، لتنسيق وتعزيز العلاقات الاقتصادية وتشجيع وتنمية الاستثمار في وقت يحتاج العالم بأسره إلى كل ما يساعد على تخطي آثار الأزمة العالمية التي نمر بها ووضع أسس نظام مالي واقتصادي دولي سليم وصلب، وثم الانتقال إلى حقبة جديدة من النمو).
وقال: (إن هذا الملتقى يعد حدثاً اقتصادياً مميزاً في المنطقة من حيث حجم وتنوع المشاركة فيه من مسؤولين وخبراء ورجال أعمال من مختلف الدول العربية والأوروبية، ومن حيث أهمية القضايا والمواضيع التي سيناقشها وأيضاً من حيث الدور المتوقع منه في تعزيز الروابط الاقتصادية العربية الأوروبية، وهو في الواقع يشكل حلقة من سلسلة مؤتمرات ولقاءات بدأت بعد قمة باريس في العام الماضي وتعمل لهذا الهدف).
وأضاف: (أود التشديد على بعض النقاط الأساسية، حول العلاقات المتوسطية، والأوروبية العربية عامة:
أولاً: فيما يواجه الاقتصاد العالمي اليوم مرحلة تحول مؤلمة ومكلفة من حقبة نمو سريع إلى حالة ركود قاس، ثم عودة إلى الواقعية، وفي ظل انكماش الإنفاق والأسواق وتقلص حجم النشاط، فإن التعاون والتنسيق الاقتصادي بين مجموعات الدول المتقاربة والترابط بين الأسواق يصبح ذا حيوية وأهمية خاصة). وعلى الرغم من أن اقتصادات الدول العربية والمتوسطية منها بشكل خاص، تبقى أقل تأثراً بالأزمة العالمية من الدول الأوروبية، فإن المرحلة تشجع دون شك، بل تستوجب تسريع خطى وإجراءات توثيق العلاقات العربية الأوروبية المتوسطية، وخلق تجمع اقتصادي قادر على مواجهة التطورات المرتقبة في النظام العالمي.
ثانياً: لقد اتخذت القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي عقدت مؤخراً في الكويت عدداً من القرارات الهادفة إلى تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي العربي ومنها بشكل خاص قرار إنشاء اتحاد جمركي عربي بدءاً من العام 2010 وحتى التطبيق الكامل عام 2015. ولا بد من أخذ هذه المقررات بعين الاعتبار وتنسيقها مع أي خطوات تتقرر على صعيد تعاون بلدان البحر المتوسط.
ثالثاً: أثبتت التجارب المتكررة أن تشجيع الاستثمار يتطلب البيئة المناسبة والتي تتلخص أهم خصائصها بالانفتاح والشفافية والحرية الاقتصادية بكامل معانيها. ومستقبل المتوسط أو بالأحرى (الاتحاد من أجل المتوسط) سيعتمد على مدى توفر هذه الخصائص والالتزام بها من قِبل الطرفين، وأشدد على كلمة الطرفين.
رابعاً: إن هذا الملتقى هو حلقة في سلسلة مؤتمرات الاقتصاد والأعمال في البلدان العربية. ففي 2 و3 آذار مارس المقبل ينعقد ملتقى أبوظبي الاقتصادي الثالث. وفي 2 و3 نيسان إبريل تنعقد الدورة السابعة عشرة من منتدى الاقتصاد العربي في بيروت والذي يشارك فيه العديد من رؤساء الوزراء والوزراء ونحو الألف من رجال الأعمال والمستثمرين العرب وغير العرب.
وتحدث في الملتقى رئيس اتحاد رجال أعمال المتوسط جاك صراف، مشيراً إلى أهمية انتقال الحوار من أوروبا إلى العالم العربي حيث قال: (اعتدنا أن نقيم سنوياً منتدى الأعمال في إحدى الدول الأوروبية، ومن دواعي اعتزازنا أن ينعقد للمرة الأولى منتدى الاستثمار لدول جنوب البحر المتوسط في بيروت، لقد انفجرت الأزمة الاقتصادية العالمية في النصف الثاني من عام 2008، ولكن على ما يبدو أن منطقة البحر المتوسط شبه محيدة حتى الآن، ونرجو أن يستمر ذلك، إلا أننا نرى من الضرورة المبادرة بإنشاء خطة دفاعية لأن المنطقة تشكو من ضعف بنيوي، نعني به البطالة).
يتحمل القطاع الخاص جزءاً من المسؤولية الاقتصادية، وفقاً لخبراته وموقعه في الإنتاج وتفاعله مع حكومات المنطقة. ولكن الجزء الأكبر من هذا الدور يقوم به اتحاد رجال أعمال المتوسط BUSINESSMED نظراً لوجوده الجغرافي في كل دول المتوسط، والعلاقة التي بناها مع الاتحاد الأوروبي.
وقال صراف إن البطالة المتفشية في المنطقة منذ زمن تشكل خطراً مداهماً وقد يتعاظم إذا ما تقلصت فرص العمل، وقد تتقلص بسرعة نتيجة التراجع الذي نشهده الآن أو نتوقعه في المستقبل القريب. وبهذا المستوى المرتفع من البطالة، نخشى اضطرابات أمنية، وقد تبين أن الارتفاع الحاد في وتيرة البطالة يسبب النمو العكسي للاقتصاد ويفاقم الركود.
نحن على ثقة بأن الحل الأنجح لدول المنطقة يكمن في دعم الاستثمار لأسباب عديدة:
1- تحفيز الاقتصاد عن طريق دعم الاستهلاك لا يخلو من الصعوبة في ظل البطالة المتنامية.
2- التشغيل الشامل عن طريق الاستدانة أصبح فوق طاقة العديد من الدول نظراً لحجم الدين العام المترتب على عاتقها.
3- الإجراءات التي تتخذ على صعيد دولة واحدة تشبه التخدير أو المعالجة السطحية ولا تجدي نفعاً، بل تشكل خسارة مطلقة إذ سرعان ما تفقد فعاليتها.
وأضاف: (ان الفرصة الوحيدة المتاحة في رأينا تبدو في زيادة التوظيف والاستثمار).
من جانب آخر قال رئيس اتحاد رجال الأعمال الأوروبيين ارنست انطوان سيليير: (ساهم الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقرار في خضم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بعالمنا اليوم. بالطبع، ما زالت السوق الأوروبية الموحدة واليورو قوى محركة أساسية من شأنها أن تضعنا على سكة النمو والاستخدام في أوروبا. ولكن سعياً وراء هذا الهدف، من المهم اعتماد القرارات السياسية الصائبة من دون إضاعة المزيد من الوقت. تشجع Business Europe إستراتيجية واضحة قائمة على أربعة عناصر:
1- تسهيل حصول الشركات على التمويل
2- دعم الدول الأعضاء للنمو والاستخدام عبر اعتماد تدابير تحفيزية
3- تسريع تطبيق الإصلاحية الهيكلية
4- مقاومة كل أشكال الحمائية
وأضاف : بصفتي رئيساً لاتحاد رجال الأعمال الأوروبيين Business Europe كلي ثقة بأن الدول المتوسطية الشريكة للاتحاد الأوروبي تشاطرنا آمالنا وحاجاتنا الحالية. ونحن نرغب في أن يقدم الزعماء السياسيون فرصاً أفضل وأن يسمحوا لنا بالنفاذ إلى الأسواق التي لم تستكشف بعد.
منذ سنوات ونحن نعمل على تشجيع إقامة منطقة مزدهرة ومستقرة بين ضفتي المتوسط. وبفضل الجمعية الأوروبية للتبادل الحر، سوف تضم هذه المنطقة نحو 40 دولة وما بين 600 إلى 800 مليون مستهلك، أي أنها ستكون أحد الكيانات التجارية الأكبر والأكثر تأثيراً في العالم.
يحتل التكامل الاقتصادي مع الدول المتوسطية المجاورة لنا أهمية كبرى وترى Business Europe في هذه الدول شريكاً تجارياً طبيعياً. ففي عام 2007، بلغت التبادلات التجارية من دول جنوب المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي 127 مليار يورو أي 5 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية للاتحاد.
تدرك Business Europe وجود عقبات عدة ومشاكل قد تسبب بتوتر بين الدول، ولكننا مقتنعون بأن الشركات لا يجب أن تستسلم أمام الضغوط الهادفة إلى إقفال الأسواق وتفكيك المجتمعات.
وفي كلمته قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: (تشير الإحصاءات إلى أن دول البحر المتوسط يعيش فيها ما يفوق الـ 450 مليون نسمة يتقاسمون ما يقارب الـ8000 مليار دولار أمريكي، ما يشكّل مجمل الناتج المحلي، وتقدّر التحاويل نحو هذه الدول بما يقارب الـ71 مليار دولار أمريكي.
إنّ هذه الأرقام على أهميّتها لا تشكّل منطلقاً لتطوّر الأعمال بسبب التفاوت القائم في توزيعها، فنسبة 38 في المئة من شعوب المتوسط تعيش في الجزء الأوروبي، وهي تسيطر على أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي المشار إليه. في حين تعيش نسبة 62 في المئة في الجزءين الإفريقي والشرقي من البحر المتوسط وتتقاسم 20 في المئة من مجمل الناتج لدول المنطقة.
لا تعوّض التحاويل عدم التوازن في توزيع الثروة بين دول المتوسط، إذ إنّ الدول التي تستفيد أساساً من التحاويل الأوروبية، تستفيد من أقل من 25 في المئة من مجمل التحاويل المحققة في المتوسط أو ما يقارب ربع في المئة من الناتج للدول الأوروبية في المتوسط.
كل ذلك يؤكّد ضرورة إرساء أدوات تمويل فعّالة توجّه الاستثمارات نحو دول جنوب وشرق المتوسط، وفي هذا المجال لا يمكن الاتكّال على المصارف الخاصة فقط، إنّما يجب تخصيص مصرف تساهم به الدول تبعاً لإمكاناتها وتهتم بتمويل البنية التحتية والقطاع الخاص ويكون المشارك الأساس فيه مصرف التثمير الأوروبي مع دور كبير أيضاً للبنك الدولي.
وقد شارك في جلسة الافتتاح وزير السياحة ايلي ماروني ممثلاً رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، وزير الصناعة غازي زعيتر، وزير الشؤون الاجتماعية د. ماريو عون، إضافة إلى عددٍ من السفراء المعتمدين والوزراء العرب السابقين والنواب الحاليين والسابقين، ورؤساء الهيئات الاقتصادية وجمعيات رجال الأعمال والمهن الحرة.