الرياض -«الجزيرة»
أكد مستشار هيئة سوق المال سابقاً إبراهيم الناصري قدرة مجلس هيئة سوق المال فرض غرامة لا تتجاوز 100 ألف ريال عن كل مخالفة. وأوضح خلال إجابته على استفسارات قراءة (الجزيرة) أنه: (يكون هذا المبلغ ضئيلاً مقارنة بما تجنيه الشركة من مكاسب بسبب المخالفة ولكن له بُعدٌ بالغ الأهمية يتعلق بسجل الشركة في مجال مخالفة القوانين).
واستطرد قائلاً: (فبالرغم من عدم وجود صحيفة سوابق للشركات كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الطبيعيين إلا أن الشركة قد تجد نفسها مُلزمة بالإفصاح عن المخالفة طيلة السنوات العشر التالية لوقوعها وذلك ضمن نماذج أو طلبات الاستثمار أو ممارسة نشاط جوهري، لاسيما في الدول الغربية. وهذا الجانب هو الذي يفسر الحساسية المفرطة التي توليها الشركات الأجنبية العاملة في المملكة لهذا الموضوع).فيما يلي نص الحوار:
* ما الفرق بين صناديق التحوط والصناديق السيادية وصناديق الاستثمار وهل هذه الصناديق متواجدة في السوق المالية السعودية؟
- لنبدأ أولاً بصناديق الاستثمار. عرّف نظام السوق المالية صندوق الاستثمار بأنه برنامج استثماري مُشترك يهدف إلى إتاحة الفرصة للمستثمرين فيه بالمشاركة جماعياً في أرباح البرنامج، ويديره مدير استثمار مقابل رسوم محددة. وأوكل النظام إلى هيئة السوق المالية مهمة تنظيم هذه الصناديق، فأصدرت (لائحة صناديق الاستثمار)، التي رسمت إجراءات تأسيس الصندوق، وبينت كيفية طرح وحداته للمستثمرين، سواءً أكان طرحاً عاماً أو خاصاً، وكيفية استرداد تلك الوحدات، والتزامات مدير الصندوق ومن أهمها واجبات الإفصاح. وصندوق الاستثمار قريب الشبه بشركة المساهمة من نواح عديدة ولكن ليس له جمعية مساهمين ولا مجلس إدارة ولا يقيد في السجل التجاري ولا يتمتع بشخصية اعتبارية. (في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية يسمى شركة استثمار ويتمتع بشخصية معنوية ويُقيد في السجل التجاري).
ومن أجل تشجيع انسياب الاستثمارات في الاقتصاد لجأت بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، إلى قصر تنظيم الصناديق الاستثمارية على تلك الموجهة للمستثمر العادي، مُستثنية من هذا التنظيم أو من أغلب أحكامه الصناديق المقصورة على الأشخاص الأقل حاجة للحماية، كالتجار وكبار المستثمرين. وقد استفادت البنوك الاستثمارية هناك من هذا الاستثناء وابتكرت صناديق استثمار تُسمى (صناديق التحوط) تتجاوز القيود التنظيمية المفروضة على الصناديق العادية. وكما يدل عليه اسمها تعمل أغلب هذه الصناديق على مُعادلة استثماراتها بطريقة تُقلل من درجة المخاطرة، كالبيع على المكشوف في مقابل الأصول المملوكة للصندوق. ومع ذلك فإن التسمية تشمل أيضاً صناديق لا تسعى إلى تقليل درجة المخاطرة وإنما زيادتها باستخدام وسائل التحوط ذاتها، ومنها البيع على المكشوف أيضاً. وتمارس هذه الصناديق أنشطتها في الظل بسبب عدم خضوعها لمتطلبات الإفصاح وبعضها يلفه ستار من الغموض المُريب. وقد تعرضت للاتهام بمساهمتها في تفاقم الأزمة المالية الحالية ليس فقط للحجم الكبير من الأموال التي تديرها (تريليونين ونصف التريليون دولار تقريباً) ولكن لإقدامها على الاقتراض ضد ما في حوزتها من أموال بما يصل إلى أكثر من ثلاثين ضعفاً. ولا يوجد في المملكة صناديق تحوط حتى الآن لأن لائحة صناديق الاستثمار لم تتضمن تنظيماً لها، ولا تسمح اللائحة بإنشاء صناديق مستثناة منها.
أما الصناديق السيادية فهي صناديق أو كيانات استثمارية ممولة بالكامل من أموال حكومية هي في الغالب فوائض متراكمة مع السنين جراء تصدير سلعة أولية كالنفط (مثل الكويت والإمارات والنرويج) أو بسبب فائض مُزمن في الميزانية (مثل الصين وسنغافورة). وتلجأ الدول إلى عزل هذه الأموال واستثمارها خارج إقليم الدولة لأسباب من أهمها تنويع الدخل (الإمارات) أو إبعاد الأموال السهلة عن الاقتصاد الوطني توقياً من الأعراض الجانبية لها مثل تشويه العملية الاقتصادية وتعويد المواطنين على الكسل وانتشار الفساد (السويد). وتُقدر أصول الصناديق السيادية بحوالي أربعة تريليونات دولار، وأول صندوق سيادي في التاريخ أسسته الكويت عام 1953م أثناء الانتداب البريطاني وتتجاوز أصوله الآن المائتي مليار دولار. وأكبرها صندوق أبو ظبي بأصول تُقارب المليون مليون دولار. ولم تُؤسس المملكة صندوقاً سيادياً بالمفهوم الشائع لهذه العبارة. ولكن تستثمر مؤسسة النقد الأموال السيادية السعودية (الفوائض المتراكمة) في شراء سندات خزينة أمريكية.
* أعمل مراقباً مالياً في شركة مساهمة تقوم بصرف مكافآت سرية للإدارة التنفيذية عبر تحميلها على بنود أخرى مثل (مصاريف متنوعة أو مصاريف سرية) ويتم صرفها بشكل نقدي وإيداعها في حسابات التنفيذيين دون قيدها في السجلات المالية للشركة.. وقد تأكدت من أن هذا الفعل غير نظامي ومخالف.. كيف أتصرف وما هي الجهة التي يمكنني أن أبلغها بذلك؟
- إذا كانت هذه المخالفة أو جزء منها يتوقف على إجراء يقوم به المراقب المالي، كالموافقة السابقة أو اللاحقة، فإنه يجب عليه الامتناع عن تنفيذ هذا الإجراء مع بيان سبب الامتناع. وبذلك تنتهي مسؤوليته النظامية. وإن كانت هذه المخالفة لا تتوقف على مثل ذلك الإجراء ولكن اطلع المراقب المالي عليها وفقاً لإجراءات يعمل وفقاً لها، كالتفتيش، فإنه يجب عليه إبلاغ مجلس الإدارة عنها، مُمثلاً برئيس المجلس. وبذلك تنتهي مسؤوليته النظامية. أما إذا كانت المخالفة تتم بطريقة أكثر إحكاماً بحيث تبدو في الظاهر مُنسجمة مع الإجراءات المالية ولا تكفي إجراءات التفتيش المعتادة لكشفها ولكن رغم ذلك استطاع المراقب المالي معرفتها، فإنني لم أطلع على نص نظامي صريح يُرتب عليه مسؤولية إذا لم يُبلغ عنها إلا أن المبادئ العامة الشرعية والنظامية توجب عليه الإبلاغ براءة للذمة. ويكفي في رأيي توجيهه خطاباً سرياً باسمه الصريح أو بدونه لكل من رئيس مجلس إدارة الشركة ولمراجع الحسابات يوضح تلك المخالفة.
* لماذا صدرت لائحة حوكمة الشركات كلائحة استرشادية وليست إلزامية كباقي لوائح الهيئة؟ وما هي أبرز المعوقات التي تحول دون تطبيقها بشكل إلزامي؟ - نظراً إلى أن موضوع حوكمة الشركات يُعد تدخلاً في طريقة إدارة الأشخاص لأموالهم فقد لجأت الكثير من الدول إلى إصدار القواعد المنظمة لها على هيئة قواعد سلوك وليست قوانين مُلزمة. وتفضل كثير من الدول أن يأتي الالتزام فيها من قبل الشركات ذاتها إما بإقرارها كلوائح داخلية، أو باعتمادها من قبل التجمعات المهنية لهذه الشركات. ولجأت دول أخرى إلى تنظيم الحوكمة بلوائح أو قوانين ملزمة.
وفي المملكة اتبعت هيئة السوق المالية طريقاً وسطاً مُتدرجاً فأصدرت لائحة استرشادية ولكن تُوجب على الشركة التي لا تُطبق أي من أحكامها أن تُصرح بذلك في تقريرها السنوي للجمعية العامة مع بيان سبب عدم التطبيق. وهذا الحكم يرتب التزاماً أخلاقياً على إدارة الشركة بتطبيق اللائحة نظراً لصعوبة تبرير عدم التطبيق. وإضافة إلى ذلك أصدر مجلس الهيئة قراراً بتاريخ 12-11- 1429هـ بإلزامية المادة التاسعة التي تبين محتويات تقرير مجلس الإدارة الذي يرفق بالقوائم المالية السنوية للشركة، والفقرتان (ج، هـ) من المادة الثانية عشرة بشأن ضرورة أن يكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة من الأعضاء غير التنفيذيين، وألا يقل عدد أعضاء المجلس المستقلين عن عضوين أو ثلث أعضاء المجلس أيهما أكثر.
ومن أهم العوائق التي تحول دون إلزامية جميع بنود اللائحة ما يظهر من تعارض بين بعض بنودها ونظام الشركات مثل اعتماد اللائحة أسلوب التصويت التراكمي لاختيار أعضاء مجلس الإدارة. ولكن يمكن - في رأيي - تحييد هذا العائق إذا عُدت اللائحة من معايير الإدراج في السوق المنظمة مما يعني أن أي شركة مُدرجة تستطيع الاختيار بين الالتزام بها كشرط لاستمرار الإدراج في السوق أو الانسحاب من السوق المنظمة والاستمرار كشركة غير مدرجة وفقاً لنظام الشركات. وعلى كل حال فقد روعي في صياغة مشروع نظام الشركات الجديد انسجامه مع المبادئ الجديدة التي وردت في اللائحة.
* هل العقوبات المالية التي تفرضها هيئة السوق المالية على الشركات المخالفة كافية لردعها عن المخالفة؟
- يستطيع مجلس الهيئة فرض غرامة لا تتجاوز المائة ألف ريال عن كل مخالفة. وقد يكون هذا المبلغ ضئيلاً مقارنة بما تجنيه الشركة من مكاسب بسبب المخالفة ولكن له بُعدٌ بالغ الأهمية يتعلق بسجل الشركة في مجال مخالفة القوانين. فبالرغم من عدم وجود صحيفة سوابق للشركات كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الطبيعيين إلا أن الشركة قد تجد نفسها مُلزمة بالإفصاح عن المخالفة طيلة السنوات العشر التالية لوقوعها وذلك ضمن نماذج أو طلبات الاستثمار أو ممارسة نشاط جوهري، لاسيما في الدول الغربية. وهذا الجانب هو الذي يفسر الحساسية المفرطة التي توليها الشركات الأجنبية العاملة في المملكة لهذا الموضوع.