تتجه المملكة لتبوء مركز القيادة العالمية للصناعات البتروكيماوية في العام 2010 بإنتاج يصل إلى 70 مليون طن متري لتستحوذ به على 13 بالمائة من إنتاج العالم وتضع المملكة ثقلها لدعم هذه الصناعة كونها الرافد الثاني للدخل بعد البترول ولتحقيق الاستفادة القصوى منه وكذلك الغازات المصاحبة له أو غيرها وعلى اعتبار أن البتروكيماويات حدّدت كرهان المستقبل قبل أكثر من ثلاثة عقود فإن الدولة أمنت لها البنى التحتية من خلال مدينتي الجبيل وينبع وكذلك دعمتها بأسعار تنافسية للقيم، حيث يُباع غاز الايثان للشركات التي تعتمد عليه بسعر 75 سنتاً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية كقياس عالمي في الوقت الذي يصل السعر بالخارج إلى عشرة أضعافه لدينا كما تقدم الدولة تمويلاً للشركات القائمة من خلال صندوقي الاستثمارات العامة والتنيمة الصناعية كرافد سمح لقيام شركات عديدة بمشاريع جبارة بعد نجاح فكرة سابك التي أسست حكومياً أصبحت من بين أكبر الشركات العالمية حالياً ولكن على الرغم من كل هذه المعطيات المثالية إلا أنها محل اختبار لأول مرة لقياس مدى قوتها بمساعدة الشركات السعودية على الصمود بوجه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العالم حالياً ولم يمر بها منذ قرابة 70 عاماً فأسعار المنتجات البتروكيماوية سقطت بأكثر من 60 بالمائة في الربع الأخير من العام 208 وبفترة لم تتجاوز شهراً واحداً فقط مما شكل أثراً سلبياً على نتائج الربع الأخير وحققت أغلب الشركات خسائر أو تراجع حاد بالأرباح فاق 90 بالمائة ببعضها وعلى رأسها سابك بينما لم تقف نتائج الشركات عالمياً عند حدود الخسارة، بل إن بعضها أقفل مصانعه وأعلنت شركة باسيل كبرى الشركات العالمية عن إفلاس فرعها بأميركا مما يعني انهياراً أصاب الجميع بالذهول وتعود الأسباب للأزمة المالية العالمية التي أثّرت على تمويل الشركات بما يشبه الشلل التام وتقلص الاعتمادات البنكية العنصر الأساس بتحريك التجارة البينية العالمية والذي جاء نتيجة تراجع إنتاج العديد من الشركات العالمية التي تعتمد في صناعاتها على البتروكيماويات كصناعة السيارات التي أصيبت بمقتل أوصلت بعض الشركات إلى حافة الإفلاس كجنرال موتورز وكرايسلر كما طال الضرر الصناعات التكونولوجية كالجولات والكمبيوترات وحتى الألعاب، فاليوم تعتبر البتروكيماويات مدخلات أساسية بالعديد من المنتجات التي يستخدمها الإنسان بكافة احتياجاته مما يجعل ديمومة الحاجة لها ثابتة وهذه أحد عناصر القوى التي ترتكز عليها من حيث الجدوى الاقتصادية، فمادة البولي بروبلين تدخل بصناعة قرابة 300 منتج تستخدم على نطاق واسع بحياتنا وعلى الرغم من كل السلبيات إلا أن هناك إيجابيات تتولّد من خلال هذه الأزمة، فخروج مصانع من خارطة الإنتاج بإقفالها عالمياً وإفلاس شركات منافسة للخليجية عموماً والسعودية خصوصاً سيسمح بعودة التوازن بين العرض والطلب بشكل أسرع من التوقعات وسيكون الإمداد مرتكزاً عالمياً على شركاتنا كونها تملك الميزة التنافسية التي ستسمح لها بالبقاء من خلال انخفاض التكاليف عليها، فطن الايثلين لا تتجاوز تكلفته 200 دولار لدينا بينما تقارب التكلفة على الشركات العالمية أسعار السوق حالياً مما يجعل الأثر على شركاتنا بتراجع هامش الربح بينما الآخرون يحققون خسائر لا يمكن تحملها كما أن الموقع الجغرافي لنا كوسط بين المستهلكين العالميين بالشرق والغرب يعطينا ميزة إضافية بتكلفة الشحن وسرعة تلبية احتياجات الأسواق قبل غيرنا، ونشهد اليوم تسابقاً كبيراً من الشركات العالمية كداو كيمكال وغيرها لتأسيس شراكات محلية أو توسيع قاعدة الإنتاج لمن هم موجودون بالسوق عندنا بشكل محموم نظراً لكل المزايا التي سبق ذكرها وعلى رأسها وجود اللقيم بكميات كبيرة وبأسعار رخيصة، بل اتجهت ارامكو إلى تأسيس العديد من المشاريع التكاملية بين صناعة التكرير وإنتاج البتروكيماويات كمشروع بترورابغ وكذلك مع داو الذي تقدر استثماراته بقرابة 20 مليار دولار أميركي مما سيرفع حجم الاستثمارات بهذه القطاع الحيوي بين الحالي والقادم والذي سبق تأسيسه من قبل إلى قرابة 700 مليار ريال كتقديرات أولية وهذا يعني استقطاباً هائلاً للاستثمار الأجنبي ودخول التكنولوجيا بتكاليف معقولة وانتقال مركز هذه الصناعة للمملكة عالمياً كنجاح كبير بتنويع مصادر الدخل يساهم بشكل فعّال بخلق فرص عمل وانتقال خبرات مهمة لنا لم تكن الظروف تسمح بها بالسابق عندما كانت الأسواق بحالة طبيعية.
إن الأمل المعقود على هذه الصناعة كبير والطموح المستقبلي بالريادة العالمية لصناعة البتروكيماويات تبرز إيجابيات تحقيقه بشكل كبير الآن وأكثر من أي وقت مضى، بل إننا قد نصل ليس لهدفنا هذا فقط، إنما قد ترتفع نسبة سيطرتنا على هذه الصناعة عالمياً بأكثر من التوقعات فمصانعنا جديدة والتمويل متوفر وتحقق للكثير مما أسهم بوجود شركات متوسطة وصغيرة ويبقى لحصافة التدبير الإداري والاستفادة القصوى من أوجاع العالم وتأثيراته السلبية على غيرنا لنستفيد منها وكذلك ضرورة التحرك بفتح الباب لاستثمارات كبيرة في مجال الصناعات التحويلية لاستيعاب قدر كبير من الإنتاج المحلي بدلاً من تصديره على ماهيته الآن حتى تكون الاستفادة بحدودها القصوى فما زلنا نفتقر إلى مئات الصناعات المعتمدة على المنتجات البتروكيماوية كالصناعات البلاستيكية المتخصصة والصناعات التكنولوجية والطبية وغيرها التي من الممكن أن تحقق نجاحاً هائلاً كون البيئة الاستثمارية والعوامل المساندة لها متوفرة بشكل واسع وبميزة تنافسية هائلة.
محمد العنقري