أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند مستوى 4774 نقطة خاسراً نحو 74 نقطة، وذلك في ضوء الخسائر القوية التي شهدها السوق يوم الثلاثاء الماضي والتي بلغت 205 نقاط بقيادة سهم سابك (الذي خسر نسبة بلغت 9% في ذلك اليوم) نتيجة عدة أسباب متنوعة ما بين جني أرباح لفترة تزيد على أسبوعين، وأيضاً تأثراً بالخسائر التي شهدتها العديد من البورصات العالمية، فضلاً عن حالة التشاؤم التي أدى إليها التراجع المستمر والمتواصل لأسعار النفط المستقبلية.. وعلى الرغم من أن السوق لا يزال على المستوى الشهري يصنف على أنه أقرب إلى المسار الأفقي.. إلا أنه على الرغم من ذلك، فإنه ينبغي الحذر لأن مثل هذه الفترات قد يتم فيها تصريف أو ربما تفريغ بعض المحافظ المؤثرة في أسهم معينة تحت ظروف تنبؤات معينة.. ونسعى هنا إلى تحديد مدى وجود احتمالات بأن يقوم المزيد من كبار المستثمرين بتفريغ لأجزاء من محافظهم من أسهم معينة للضغط على أسعارها، كما حدث مع سهم سامبا جزئياً الأسبوع الماضي؟ وإذا تكرر حدوث مثل هذه التفريغات، فمن يمكن أن يقبل على شراء مثل هذه الكميات الكبيرة، وخصوصاً إذا كانت أسهم استثمارية؟ وهل يمكن أن يكون مآل الكثير منها إلى الصناديق التي تديرها الحكومة؟ وهل هذه الملكية الحكومية في صالح السوق الآن أم ضده؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى استعادة الطلب الكبير على التداول في السوق من جديد؟
* الفرق بين الأسعار الحاضرة للنفط وأسعاره المستقبلية؟
- بعضهم لا يعطي اهتماماً كبيراً للتغيرات في أسعار النفط وتأثيرها في حركة التداول في سوق الأسهم المحلي، إلا أنها بحيادية تعد مفسراً أساسياً لما يحدث بالسوق.. ولا تزال تشهد هذه الأسعار العالمية للنفط تراجعاً مستمراً وخصوصاً فيما يتعلق بالأسعار الآجلة أو المستقبلية التي ينتابها تراجع ربما يكون أكثر حدة من أسعاره الحاضرة.. وهنا نود توضيح أن الأسعار المستقبلية للنفط تؤثر بشكل أكبر في أسعاره الحاضرة، لأن هذه الأسعار المستقبلية هي التي تكون أقرب من تحديد مساره المستقبلي، وبالتالي هي التي تكون أكثر تأثيراً في بورصات الأسهم العالمية. ولنا أن نعرف أنه على الرغم من أن السعر الحاضر يحوم حول 40 دولاراً للبرميل، فإن السعر الآجل يدور حول 35 دولاراً، بما يعطي انطباعاً أكثر تشاؤماً حول مستقبل هذا السعر في المستقبل القريب.
* تزامن ضعف السيولة المتداولة مع التراجع المستمر في رسملة السوق:
- إذا كان هناك من سبب وراء عدم حدوث مسار صاعد قوي حتى الآن فهو ضعف معدلات السيولة المتداولة التي أصبح معدلها اليومي ما بين 4 إلى 5 مليارات ريال.. وحتى على الرغم من أن مسار المؤشر العام للسوق يفسر على أنه أقرب للأفقي، فإن قيمة رسملة السوق لا تزال تسجل تراجعاً تلو التراجع حتى بلغت نحو 904.2 مليارات ريال حسب آخر إغلاق.. إلا أن الأمر اللافت للنظر أنه على الرغم من كل ذلك، فإن مكرر ربحية السوق يعد مرتفعاً نسبياً لمستويات سجلها منذ بضعة شهور، حيث يصل حسب آخر إغلاق إلى نحو 18.3 مكرر.
* كيف سيكون السوق بعد انتهاء الأزمة العالمية الراهنة؟
- يفترض أن يتم الإجابة عن هذا السؤال الآن لكي يتم بناء استراتيجيات استثمارية صحيحة لكل المستثمرين.. هل عندما يعود الانتعاش للاقتصادي العالمي، هل سيعود سوق الأسهم لطبيعته ولنقل إلى مستوى 8500 نقطة فقط؟ هل هذا وارد؟ أم أن الأمر حالياً يرتبط بالأزمة العالمية، وسنعود بعدها للحديث عن التصحيح والمضاربات من جديد وأنهما السبب وراء الهبوط؟ بداية الأزمة العالمية تسببت بلا شك في ضعف معدلات السيولة للكثير من كبار المستثمرين في سوق الأسهم المحلي، وبالتالي فإن العودة إلى معدلات السيولة المتداولة القديمة ما فوق الـ20 مليار ريال يومياً يعد أمراً غير وارد على الأقل خلال العامين المقبلين.. ولكن من ناحية أخرى، فإن تصحيح المؤشر من مستوى فوق الـ 20 ألفاً إلى 5 آلاف نقطة حالياً في حد ذاته تسبب في زوال قدر كبير من رؤوس أموال المستثمرين، وبالتالي خسائر هائلة تسببت في حد ذاتها في اختفاء طبقة عريضة من (نقل) المضاربين الذين كانوا يمثلون وقود السوق. بعضهم يعتقد أن هذا السيناريو تشاؤمي، ويتوقع أن تكون هناك مفاجآت سارة وخاصة مع توقع تعافي أسعار النفط وعودتها إلى المسار العادل عند 75 دولاراً قريباً.. ولكن حتى لو عادت أسعار النفط إلى ما فوق 75 دولاراً للبرميل، هل سيعود المؤشر إلى ما فوق الـ 8500 نقطة معها؟ بالطبع الإجابة بالنفي، لأن المؤشر اتخذ مساره الهبوطي حتى على الرغم من الصعود المبالغ فيه لأسعار النفط في الربع الثالث من عام 2008م..
ما نود أن نقوله الآن: انه يوجد جزء هام من مشكلة ركود سوق الأسهم لا يرتبط بالأزمة العالمية، ولكنه يرتبط بأوضاع وترتيبات داخلية للسوق نفسه.
* تعافي السوق... والعودة إلى زمن الوجود الحكومي؟
- لقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الراهنة أن نظام السوق الحر غير قادر على حفظ الاستقرار التام المرغوب لأي من أسواق السلع أو الخدمات، وإذا ثبت هذا الافتراض لأسواق السلع التقليدية، فإنه قد يكون شبه مؤكد بالنسبة لأسواق المال أو الأسهم.. لذلك، فإذا كانت إصلاحات السوق تتجه وتركز في الماضي على توجيهه إلى مزيد من الحرية من خلال تقليص الملكية الحكومية، وفتح الباب على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية، وتحريره من جميع القيود التي تنطوي عليها حركة التداول، فهل هذه التوجهات تعد مناسبة الآن وخصوصاً مع التأكد من أن أساس الأزمة المالية العالمية الحالية هي الأموال الأجنبية الساخنة التي لا تستهدف سوى الربح بلا ولاء ولا حرص.. لذلك، فإن تعافي السوق قد يكون بشكل أساس من خلال تعزيز الوجود الحكومي داخل السوق عن طريق استعادة حصص جوهرية في الأسهم الاستثمارية المؤثرة في السوق، وهنا يمكن أن نسمي هذه الحصص بحصص الثقة أو حصص إعادة الثقة.. بعضهم يتحدث عن مشكلة السوق تتمثل الآن في عدم وجود سيولة استثمارية، ولكني أعتقد أن السيولة موجودة ولكن ينتابها الخوف من الإقدام الحقيقي على السوق.. فإذا علم هؤلاء المستثمرون أن الحكومة معهم (هي معهم فعلاً الآن) فإنهم سيقبلون بقوة.. إن الأمر يتطلب التفكير في السير في اتجاه عكسي (للخصخصة)، من خلال (العمننة).. بعضهم يسمي هذا بالعودة للخلف، ولكن هذه العودة قد تكون هي الكفيلة الآن بحفظ التوازن.. فالحكومة الأمريكية الآن لا تفكر في شراء حصص الشركات الأمريكية الاستراتيجية ولكنها تفكر فيما هو أسوأ وهو تقديم الأموال والدعوم لها بلا ثمن.. فألا يعد ذلك جديراً بالاهتمام والتفكير؟!
د. حسن الشقطي
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com