رغم التفاؤل العميق الذي انتشر في أرجاء المعمورة بعد انتخاب الرئيس باراك أوباما إلا أن السؤال الساخر الذي ظهر في الصحف وبرامج التلفزيون لاحقا كان: من يقبل بهذا العمل على أية حال في ظل أوضاع الاقتصاد العالمي والإرهاب وعدم الاستقرار (who wants this job any way).. وأظن أن التساؤل ذاته مطروح بالنسبة لوزارة التربية والتعليم التي يقود خادم الحرمين الشريفين محاولة التطوير فيها منذ ثلاث سنين..
وهاهو اليوم يعلق الجرس ويغير القيادات أملا في مواجهة (الأوضاع الصعبة والهموم الثقيلة) التي تنوء بها هذه الوزارة فيضع الرجل ذو المهمات الصعبة على قمة وزارته ويطلق جناحيه بنوابه ومساعديه الذين أتمنى أن يكونوا قادرين على الحصول على قسط كاف من النوم هذه الأيام.
أجزم أن معالجة إحصائية بسيطة لما نشر في الصحف السعودية في السنوات الخمس الأخيرة سيظهر أن لا جريدة طبعت في هذا البلد خلال ذلك الوقت ولم يكن بها شكوى من كاتب أو طالب أو معلم أو أب أو أم تدور حول التعليم، وهو أمر طبيعي حين نعرف أن بلداً كالولايات المتحدة يضع التعليم ضمن أولويات قادته بحيث يدشن الرؤساء أنفسهم كل عشر سنوات خطة إصلاح جديدة تمس أهم مفاصل التعليم لإبقائه متناغماً مع ما يجري من متغيرات اقتصادية وتكنولوجية عالمية (تقرير أمة في خطر، تقرير الطفل يترك في الخلف No child behind).
ملفات الوزارة مثقلة مثلها مثل حيرة الناس في أين يعلمون أبناءهم التعليم النافع الذي يبقى معهم دنيا وآخرة ويمكنهم من الحصول على وظيفة مجزية وفي ذات الوقت يخدم أهداف التنمية ويحقق توافق الخريج مع مجتمعه المحلي والعالمي ولذا فالسؤال الذي ربما يدور في أروقة الوزارة اليوم هو: كيف نبدأ ومن أين؟؟؟
وأنا كمربية وأم أحب أن أوجه للوزارة أسئلة من مثل: هل مستوى الرياضيات والعلوم واللغة العربية المقدم لابنتي ريما (13) سنة ولابني سعود (6) سنوات وأسلوب تقديمهما والوقت المخصص لهما في الجداول الدراسية يوازي وينافس ما يقدم في البلدان المتقدمة؟؟
ربما لن تجد ريما عملاً هنا وربما سيضطر سعود أن يتنقل بين بلدان الخليج أو يفتح العالم له ذراعيه وما تعدنا به الدولة من خلال كل هذه الموازنات الضخمة هو تعليم قادر على المنافسة في ظل العولمة المعرفية والتخصصية. أنا لا أرغب في أن أقلق أو أدفع لأبنائي حين يكبرون لأن مهنهم أو مهاراتهم لم تمكنهم من الحصول على عمل كريم كما يحدث اليوم في الكثير من الأسر المتوسطة وما دون المتوسطة في أرجاء المملكة بل يفترض أن يكون لدى هؤلاء الأبناء من الإمكانات المادية ومستوى المعيشة ما يمكنهم من العناية بأهاليهم في كبرهم.
أنا أسأل الوزارة: هل هناك رؤية واضحة لرسالة وأهداف الوزارة يتمثلها المعلمون والمعلمات في ممارساتهم اليومية داخل الفصول الدراسية؟ وهل هناك ما يسمى بثقافة الرسالة أساسا في المدارس الحكومية والأهلية؟ مما أرى فإن لا أحد يعرف.. وكل يقوم بالتدريس لأنه يجب أن يدرس المقرر بأهدافه من حيث اتباع جزئياته وإنهائه حسب طلب المشرف المدرسي والإدارة.
نحن جميعاً نعرف أن هناك الأهداف العامة للتعليم وهناك أهداف التعليم لكل مرحلة لكن هذه خاصة فيما يبدو بالملفات الرسمية وبما ندرسه نحن أساتذة الجامعة لطلاب التربية لكنها لا تنقل كممارسة بتمثل أهدافها والسعي لتحقيقها في العمل اليومي للمعلم والمربي والإداري في كل مدرسة وهو ما سبب فوضى التوجهات الأيدلوجية وانتشار أنماط التقليدية والمحافظة المفرطة على حساب جودة الممارسات التربوية.
(ستجد الرسالة والرؤية الأهداف في كل مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية حول العالم سواء في مدخل المدرسة أو غرفة المدير والمعلمين وغرف الاجتماعات وغرف الأنشطة والمكتبة الخ ليراها ويتمثلها كل من في المدرسة).
أود أن أسأل الوزارة حول التعيينات الإدارية والإشرافية سواء في المكاتب الإشرافية أو إدارات التعليم في المناطق أو المدارس وهي التي تدير عجلة هائلة قوامها أكثر من خمسة ملايين طالب وأكثر من نصف مليون معلم ومعلمة، وهل كانت الكفاءة ومهارات التفكير الابتكارية وملاحقة التطورات المعرفية التكنولوجية والمجلات التربوية وحضور المؤتمرات العلمية وتمثل رسالة الوزارة هي بعض معايير الاختيار أم مثلت التوجهات الأيدلوجية والمعرفة الشخصية والمصالح المتبادلة جزءاً كبيراً من المعادلة؟؟.
يقول مثل هندي قديم: (يجب علينا الانتباه في أن أي قرار سنتخذه سيؤثر على سبعة أجيال تالية بعدنا!!) حكمة عظيمة ليتنا تمثلناها ثلاثة عقود ماضية لما وصلنا لما نحن فيه اليوم من تخبط في أكبر وأعظم وأهم مؤسسات الأمة: المدارس!!
أود أن أسأل الوزارة عن الفلسفة التربوية التي تتبناها في برامج التطوير المقرة لديها اليوم وأعرف أن الكثير من الجنود المجهولين يقفون خلف الكثير من الإصلاحات التي طالت بعض نماذج التعليم المطروحة والتي حاولت الوزارة تجربتها في بعض المدارس وعانت الكثير سواء من مقاومة المعلمين للتغيير أو ضعف الإمكانات المادية والبنى التحتية للاتصالات المتاحة للمدارس لتطبيق برامج التطوير (الحاسب الآلي مثلاً أو برامج التدريب للمعلمين والإداريين عن بعد).
لكن بطء ومحدودية البرامج المعتمدة وفوضى التطبيقات التي اجتاحتها جعلتها مشوهة وعاجزة عن إحداث تغييرات فعلية في عمق المعرفة العلمية التي يتلقاها المتعلمون.
التغيير هو مناخ عام وشامل ولا يمكن إحداث تغيير جزئي فقط في بعض المفاصل وترك الباقي يغني على ليلاه ثم توقع نتائج مبهرة.
التطوير والتحديث هو جزء أساسي تتبناه كل مؤسسة تعليمية حول العالم ولا يجب أن يطرح خياراً للمدارس ليتحدث مسؤولوها بفخر عن أننا لن نغير في مناهجنا وأساليبنا استجابة لطلب الغرب.
نحن لا نفعل ما نريده من تطوير في العملية التعليمية أو في أي جزء من هذا الوطن الغالي استجابة للغرب بل استجابة لاحتياجاتنا المتغيرة في الصحة والتعليم والحقوق والمساواة.
نحن نتغير ويجب أن تستجيب مؤسسات الدولة لهذا التغير. التعليم يجب أن ينتشل من أطر اللعبة الأيدلوجية لينقل إلى حضن المعرفة والتعليم وخلق الإنسان المؤمن بربه ووطنه وبالحق المتساوي للناس جميعاً حول العالم.
ورغم أن الصورة قد تبدو قاتمة اليوم فهي في الحق ليست كذلك. لنتذكر أن أطفالنا لا زالوا يصرون على الذهاب للمدرسة رغم أنها مملة ويؤدون امتحاناتهم رغم أنها عقيمة ومعلمونا يقومون بالكثير من المتوقع منهم رغم محدودية هذه التوقعات لأنهم ليسوا مجبرين بفعل تهديد فقد الوظيفة على تمثل أي تغيير أو تجديد أي أن عناصر التغيير لا زالت تعمل ولدينا فرصة للعمل معها.
لنتذكر أيضا أننا في نماذج التربية والتعليم لسنا مضطرين لأن نخترع شيئاً لا نعرفه ونجرب نماذج غير مجربة. نماذج التعليمية الناجحة في الممارسات التعليمية داخل مدارس التعليم العام تملأ العالم وهي أقرب مما نتصور وعلينا فقط أن ندخل في عمقها ونفهم التجربة ونطوعها سعودياً لتحقيق أهدافنا.
لدينا نموذج الأكاديمية السعودية في واشنطن وهي المدرسة التي ترعاها السفارة السعودية في واشنطن ووزارة التربية ولتعليم هنا وفتحتها لخدمة أبناء الجاليات السعودية والمسلمة هناك وهي على الرغم من أنها قد لا تكون الأحسن مقارنة بالنماذج المحيطة بها في الولايات المتحدة إلا أنها بالمقارنة بما يحدث هنا تعد نموذجاً متفرداً يجمع بين الاحتياجات السعودية وآليات التعليم المتقدمة وبخاصة في المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات والنشاطات اللاصفية.
هناك بعض نماذج المدارس الأجنبية هنا في السعودية مثل المدرسة الأمريكية في الرياض والمدرسة الأمريكية في الظهران ومدارس الظهران الأهلية وبعض المدارس الخاصة في جدة وكلها نماذج مشرقة ومتطورة لتعليم متقدم بآلياته ومن يديره وما علينا إلا أن ننظر بانفتاح وبذهنية تضع التربية والتعليم أولاً وليس التوجهات الأيدلوجية في الميزان للتعرف على ما حولنا ومن ثم تبني بعض النماذج المشرقة مع إدخال ما نحتاج عليها من تعديل يطمئننا على حفظ ديننا ولغتنا الأم أولاً وأخيراً.
هذا بالطبع لن يكون سهلاً بالمرة؛ فالحديث هو الأكثر سهولة والبدء على أرض مزروعة بالشوك والمخاوف والتوجسات لكل الأطراف الداخلة هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه مسؤولو التعليم، فلندعُ لهم بالصبر والقوة والثبات فالمعركة ليست سهلة أبداً.