Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/02/2009 G Issue 13295
السبت 26 صفر 1430   العدد  13295
سحاب
المعادلة السهلة.. معادلة التطوير
د. عبدالإله المشرف

 

عندما نتحدث عن التطوير فنحن لا نقصد التحديث في التجهيزات والأدوات، ولا نقصد التجديد في الأفكار والنظريات، كما أننا لا نعني التفوق في المنجزات والمنافسات، أو حتى الريادة والسبق في الإبداعات والمبتكرات، فهذه وإن كانت جزءاً من التطوير يتمثل في الملامح والنتاجات إلاّ أن المحرك الحقيقي للتطوير يتجسد في الدافعية الداخلية والروح المحركة النابعة من القناعة والإرادة والقدرة لمن يسعون إلى إحداث التطوير، بمعنى أن إحداث التغيير والتطوير في الداخل هو الذي يقود إلى التغيير الإيجابي الذي نراه في الخارج.

إن روح التطوير ينبغي أن تسري في جسد كل من ينتمي إلى المؤسسة المتطورة؛ فالنجاح لا يتحقق إلاّ بتكامل وتضافر الجهود، ولعل من الأمثلة الطريفة أن أحد عمال النظافة في وكالة ناسا للفضاء عندما سئل عن طبيعة عمله أجاب بأنه يسهم في أن تصعد أمريكا إلى سطح القمر، فهذا العامل لديه روح عالية تنظر إلى عمله بأنه جزء من منظومة متكاملة كلها تسعى إلى تحقيق هدف أو أهداف مشتركة؛ ولذا فهو فخور بما يقوم به من عمل، يشعر بأنه يسهم في تطوير أمة بل في إنجاز بشري عالمي.

إن التطوير الذي نعنيه في مؤسساتنا التربوية حكومية أو خاصة تطوير ينبع من قناعة تامة، ورغبة أكيدة، وإرادة جازمة، وعزيمة صادقة، وثقة بالنجاح، تطوير يستمد قوته وثباته من رؤية واضحة، وخطط مدروسة، وآليات عمل منتظمة ومتكاملة، وبيئة تطويرية دافعة، فكل من ينتمي إلى المؤسسة المتطورة (طالباً، معلماً، مديراً، أو موظفاً) يشعر بأنه يجب أن يكون عنصراً فعالاً في مسيرة التطوير الشاملة، وبالتالي فإن روح التطوير تسري في كيان كل فرد ينتمي لهذا الصرح التربوي، كلٌ حسب دوره.

والتطوير الذي نسعى إليه هو تطوير للبيئة الثقافية، ينعكس بدوره على مكونات هذه البيئة، فيؤثر في السلوك والتصورات، ويشعر به الزائر قبل المقيم؛ حيث يتنفس كل فرد في المؤسسة هواء مختلفاً يحمل في طياته روحاً خلاقة وشعوراً بالتميز، ورغبة في التجديد والإبداع، وعزماً على الريادة والقيادة، وتطلعاً دائماً نحو القمة، كما يرى الزائر بريقاً يشع من أعين كل من يعمل في المؤسسة يعكس فخراً بالانتماء لهذا الصرح وسعادة بالمنجز، وحرصاً على تجويده، وأملاً في نشره وتعميم نفعه.

والتطوير الذي نقصده لا يقتصر على فريق بعينه، ولا فئة بذاتها، كما أنه لا يقتصر على مجالٍ محددٍ أو جانب معيّن، بل هو تطوير شامل وعام تراه في كل زاوية وفي كل ركن، وتشعر بأن كل شيء حولك يتغير ويتطور، ويتبين لك الفرق بين القديم والحديث، بل يتجلى في هذا التطوير أصحاب الفكر المستنير في حين يشعر الآخرون بالحاجة الماسّة إلى اللحاق بالركب، ويحس الجميع بأن الروتين والجمود أصبح مظهراً مرفوضاً ليس له مكان في المؤسسة المتطورة.

والتطوير الذي نريد لا يسمح بالتأجيل والتسويف؛ فعجلة الإبداع تسير، ونهر الأفكار يتجدد، والعالم كله يتغير بشكل سريع لا ينتظر فيه المتباطئ والكسول، ولا يقبل عذر المتردد والخجول، بل يتطلب سرعة عالية وتواصلاً إيجابياً فاعلاً، ومجازفة في صناعة القرارات الريادية، ومتابعة آنية للأحداث والمستجدات، واستباقاً للتطلعات والتوقعات.

والتطوير الذي نستهدف هو التطوير النابع من البيئة، المستفيد من المعطيات الحضارية الحديثة، تطوير يلبي حاجات المتعلمين والمعلمين، ويحقق أهداف المؤسسة، ويحافظ على هوية المجتمع وأصالته وانتمائه لثقافته وأمته، تطوير لا ينقاد إلى كل ما هو جديد دون تمحيص وتقويم وتجريب، تطوير لا يعتبر الإنجاز هو نسخ ما لدى الآخرين ومواكبة الركب دونما رعاية وعناية وولاية وتقديم لقيم المجتمع وأهدافه المدنية والثقافية.

ونحن نفخر بمشروعٍ تربوي رائد أرسى قواعده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - يحفظه الله - لتطوير التعليم في المملكة العربية السعودية نتطلع إلى أن يحقق هذا المشروع العظيم طموح القيادة، وأن يلبي حاجات المجتمع، وأن يستجيب لمتغيرات العصر، وأن يقود زمام المبادرة في بناء الفرد وتنمية المجتمع، وقيادة الأمة.

إنها دعوة للقائمين على هذا المشروع الوطني الأممي والمشاركين فيه إلى استلهام رؤى القيادة الرشيدة في المزيد من بث العزيمة والإبداع والتميز والانتماء في أبناء الوطن من خلال مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لتطوير التعليم.

إنها معادلة تبدو صعبة وتتمثل في أن ترتقي بمستوى الجودة في الأداء، وأن تمتلك ناصية المبادرة والتجديد، وأن تحافظ على الأصالة والانتماء، وأن تسبق الأحداث والتوقعات، وأن تقدم ما يحقق آمال المجتمع وطموحاته وفق إطار من التكامل بين منظومة العمل التربوي والشمولية لجميع جوانبه والخصوصية المناسبة لكل عنصر من عناصره، غير أن وجود الكفاءات المتميزة والانتماء الصادق والعمل بروح الفريق، وهو ما نحظى به بفضل الله، يجعل من هذه المعادلة معادلة سهلة التحقيق بتوفيق الله وعونه.



amusharrarf1@Riyadhschools.sa.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد