الحياةُ عِظات؛ والناسُ تتداعى على الجديد، وتتزاحمُ حوله، وتفيضُ عليه المدائح والنصائح، وتنأى عن القديم وتنفضُّ من حوله، وينسون أنهم مارسوا معه الدور ذاته حين قدم، ولا عزاء لمن وهم.
- تلك هي المفارقة الأولى، أما الثانية فنحن نفر من الحداثة الفكريّة، وقد نحاربها، ونلجأُ لما ألفينا عليه آباءَنا؛ ففيه الضمان والأمان، أما حين يتصل الأمر بالأشخاص؛ فالكرسيّ الجديد يعجبنا، والأجدّ يبهرنا، ونتحلق حوله بالطبل والمزمار، ولا يكاد يلتفت للقديم أحد.
- إنها معادلة المصلحة الخاصة التي تتوارى أمامها كثير من الأدلجات، وما أسهل التنظير إذا كان في الهواء، وليت مواقفنا من تجديد الأشخاص تتوازن - ولو بنسبة مُرضية - مع تجديد الأشياء دون غلواء.
- وفي الشأن نفسه؛ فإن التغيير في القمة مهم، لكن القاعدة أهم، وكثير من المشروعات الإصلاحية تتعطل في المستويات الإدارية: المتوسطة والتنفيذية، ولو ابتدأت وزارة التربية - مثلاً - بإعادة تقويم مديري التعليم، والتجديد فيهم، وقام هؤلاء بتمحيص مديري المدارس ومعلميها وتبديلهم لابتدأنا الخطوة الأولى، والأمر ذاته في الصحة والعدل والعمل وسواها.
- ويجيء التدوير خِلْوا من الإشارة لوكلاء الوزارات الذين يصطفون استقبالاً ووداعاً، مع أن التغيير يبدأُ بهم ومنهم، وربما عاصر وكيلٌ عدةَ وزراء فاستُبدلوا وظل، ولو تحولت وكالات الوزارات لمستويات وظيفيّة لا يضار صاحبُها إذا أُبعد، فإن التجديد فيهم ضرورة، وبخاصة لمن أقام على الكرسي مقام عسيب.
- الوطن بحاجةٍ إلى قيادات شابة تتواكب مع شعب يمثل من لم يبلغوا الأربعين أكثر من ثمانين في المئة من تركيبته السكانيّة، ولذا سعدنا بالتغيير الذي نأمل أن يتصل ليشمل، ويتواصل ليكمل، وأن يستمر التدوير منهجاً في مختلف المستويات الإدارية.
- لا ضير في الرحيل، ولا ضرر من التبديل، وقد أشار (غارث مورغان) في كتابه (نظرية المنظمة المبدعة - مترجم عن معهد الإدارة) إلى أن كبار المسؤولين يقعون في فخاخ خفض النفقات، والانعزال عن مصادر المعلومات، والاستسلام للمجموعات الضاغطة؛ فهذه ثلاثة تحديات يجتازها من وعاها وخطط لها وعمل على ضوئها.
Ibrturkia@hotmail.com