مملكة البحرين دولة مستقلة وذات سيادة، وهي جزء من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، شاءت بعض الأصوات النشاز في إيران أم لم تشأ..
هذا باختصار هو مضمون الرسائل التي أعلنتها قيادات سياسية خليجية وعربية ودولية ضد التصريحات التي أطلقها مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي ناطق نوري، الذي سبق أن كان رئيساً لمجلس الشورى. وعندما تشير شخصية سياسية كبيرة مثل هذه الشخصية إلى أن البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة الإيرانية، فإن ذلك يعكس نوايا سيئة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن إيران تريد أن تفتح جبهة جديدة ثالثة، بعد العراق والإمارات العربية المتحدة.
وهذا التصريح لم يأت من فراغ سياسي، فقد تداول بعض نواب الشورى الإيراني هذا الموضوع أكثر من مرة، وذكر النائب داريوش جمبري في إحدى مداخلاته أن البحرين لو تم فيها استفتاء لكانت الأغلبية تؤيد انضمامها إلى إيران.. مما يعني أن هذا الموضوع له تداعياته وخلفياته في أروقة المجالس والأجهزة التشريعية وربما التنفيذية.. وعلى الرغم من إعادة تفسير هذه التصريحات من قبل مسؤولين إيرانيين، إلا أن الوضع غير مقنع تماماً للعالم العربي حكومات وشعوباً.. فوجود مثل هذه العقليات في مواقع اتخاذ قرار سياسي يؤدي إلى قلق عميق لدى الدول والمنظمات العربية والإسلامية والدولية.. لاسيما أن هذا الجدل يدور في مؤسسات تشريعية منذ أمد.
مملكة البحرين تحت قيادة ملكها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وبشعبها العربي المسلم هي دولة عربية مستقلة بعوامل التاريخ وحقائق الجغرافيا، وليس هناك أي لبس في هذا الموضوع سوى في عقول لا تزال تفكر من خلال فكر الهيمنة والتمدد والاستعمار.. وكنا نتوقع أن مثل هذا الفكر وهذه السياسات قد ولت إلى الأبد، متخذين عبرة من الفكر والسياسات التي كان ينتهجها صدام حسين مع دولة الكويت الشقيقة.. لكن يبدو أن التاريخ لا يستفيد منه إلا العقلاء من أصحاب الرؤية والحكمة من السياسيين.
ردود الفعل التي ظهرت وبسرعة من خلال شخصيات سياسية عربية ودولية، ومن خلال منظمات إقليمية وعالمية تعكس الرفض حتى في التفكير بمثل هذه العقلية الاستعمارية في المنطقة، وخاصة في منطقة الخليج العربي، وقد أعلنت كبرى الدول العربية ومنها على سبيل المثال المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية استهجانها بمثل هذه التصريحات السياسية التي تعيدنا في المنطقة إلى واجهة الخلاف والتحدي والغطرسة السياسية، ونحن في غنى عن هذا النهج العدائي من الجمهورية الإيرانية تجاه الدول الخليجية.
وقد يسأل سائل: لماذا يأتي مثل هذا التصريح من شخصية سياسية لها وزنها داخل مؤسسات القرار الإيراني؟ وقد يتسنى للمحلل والمراقب المحايد أن يقول إن ذلك ربما يعود إلى مأزق النفوذ الإيراني مع الدول العظمى.. وظروف العزلة التي تحيط بها من كل جانب تقريباً.. ولربما تريد أن تخلق أزمات جديدة في المنطقة في محاولة لصرف النظر عن القضايا الأساسية التي هي طرف فيها.. لكن العالم يدرك أن السياسات الإيرانية مترابطة ومبنية على أساس توسيع النفوذ وخلق البلبلة في المنطقة بكل الإمكانيات المتاحة.. وهذه سياسة مرفوضة تماماً من قبل أبناء هذه المنطقة، ولم تنجح إيران فيها فيما مضى، ولن تنجح إيران فيها الآن.
وأخيراً يجب التصدي لمثل هذه الأفكار العدائية ضد دول المجلس وسيادة دوله وأراضيه، وما زال المجلس وأبناء دول المنطقة يتساءلون: لماذا لم يتم البت في قضايا الجزر الإماراتية حتى الآن؟ وهي بمنطق التاريخ والجغرافيا إماراتية مئة في المئة.. وتنتهج دولة الإمارات سياسات متعقلة في تناول هذا الملف.. لكن إيران في المقابل همشت كل الجهود العربية والدولية وضربت بها عرض الحائط في سبيل دفن هذا الموضوع واعتباره في حكم المنتهي.. وتأتي قضية التشكيك في سيادة دولة خليجية أخرى هي البحرين في سلسلة التعديات التاريخية على دول وشعوب المنطقة. ولا شك أن الدول العربية بما فيها دول الخليج تسعى دائماً على اعتبار إيران دولة إسلامية وجارة شقيقة ويجب أن تبقى كذلك، لكن هذه المهاترات السياسة من شأنها أن تهز هذه القناعات وربما تؤسس لقناعات جديدة تنعكس على مزيد من التوترات والنزاعات في منطقتنا العربية الإسلامية.
المشرف على كرسي صحيفة (الجزيرة) للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.sa