Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/02/2009 G Issue 13293
الخميس 24 صفر 1430   العدد  13293
إنها ليست أخطاء ولكنها دروس

 

بعد الحرب العالمية الثانية عمل (مايكل وودهاوس) في أحد معسكرات اللاجئين للأطفال.. كان الأطفال إما تيتموا وإما افترقوا عن ذويهم وتم احتسابهم في عداد المفقودين.

وقد كتب مايكل عن ذلك، وقال: مع حلول عام 1952م كان عدد كبير من هؤلاء الأطفال قد عثروا على ذويهم.. أما مَن تبقى منهم في المعسكر فلم يكن قد بقي لديه إلا أمل ضئيل في العثور على أحيائه وذويه.

أخذنا نبحث ونكد في البحث يوماً بعد يوم عن أي خيط رفيع يقودنا إلى هوية هؤلاء الأطفال أو أي شيء قد يفيد في التعرف عليهم.

كانت هناك فتاة يقترب عمرها من الثالثة عشرة قد تعرضت لصدمة خلال الحرب وأصيبت بالبكم.. كانت الطفلة قد نقلت إلى المعسكر على أنها إنجليزية غير أن هذا الأمر بقي غير مؤكد.

في أثناء الاحتلال أخذت الفتاة تتنقل من أسرة إلى أخرى للتمويه. كانت قد وجدت بين سياج من الأشجار على جانب الطريق خارج باريس بينما كان هناك عدد من الأشخاص يسعون للفرار من المدينة. أطلق عليه اسم (هيريسون) تيمناً بالمكان الذي عثر عليها فيه، وكانت الفتاة لا تستجيب إلا عند سماع هذا الاسم.. عُينت مسؤولاً عن هذه الفتاة، وكنا نجلس معاً يوماً بعد يوم، وأحيانا كانت تقترب مني لتغطيني بالشيء الوحيد الذي كانت تملكه في هذه الدنيا، وكان عبارة عن غطاء صغير ممزق كانت تحمله معها أينما ذهبت.

وفي أحد الأيام بينما كنت أربت على غطائها شعرت أن هناك منطقة سميكة بشكل لافت بين طبقتي الغطاء المربع.. انتابني الفضول فأخذت أتفحص الغطاء عن كثب ولاحظت أن الغرز في هذا المربع تختلف عن بقية الغرز في بقية الغطاء.

أشرت إلى (هيريسون) واستأذنتها في فتح هذا المربع؛ فأومأت بالموافقة، وبمنتهى الحرص أخذت أحرك الطبقة العلوية من الغطاء واستخرجت قطعة من القماش، وإذا بالكلمات التالية مطرزة عليها:

إلى (إيميلي).. لكي تدفئك عندما نعجز عن تدفئتك..

كل الحب..

جدك وجدتك في شيستر (جون) و(اليس سكوت).

وكانت هذه هي بداية رحلة عودة هيريسون إلى بيتها.. وفي عصر أحد الأيام وفي كوخ صغير في شيستر بإنجلترا حكى لي (جون) و (اليس سكوت) عن المأساة التي تعرضت لها أسرتهم في الطريق المؤدي إلى خارج باريس.. كانت الطائرات الألمانية المقاتلة تمطر الطريق بوابل من الرصاص؛ فقتل ابنهما وزوجته، وفُقدت (إيميلي) في خضم الزحام، أما هما فنجحا في الفرار، وأخيراً عادا ثانية إلى إنجلترا.. أخذا يرويان عن سنوات المرارة التي مرا بها في أثناء الحرب، وبعدها قال (جون) في أسى وحزن إنه على الرغم من كل الأعمال الخيرية التي قام بها لمساعدة الأطفال الآخرين بقي جرحه حياً بداخله، وبدا شارداً وهو يقول: كانت لا تفارق مخيلتي لحظة.. كنت أدعو الله أن أعثر عليها يوماً ما، وكنت أتمنى حدوث المعجزة.

قاطعته قائلاً: وإن التقيت بها الآن فكيف ستتأكد أنها هي؟

- هلا نظرت إلى (اليس)؟

- لماذا؟

- هناك وحمة في عنقها تشبه الفراشة، أنا أعرف هذه العلامة جيداً.

بعد استيفاء أعمال إدارية كثيرة حملت (هيريسون) غطاءها الصغير في يد وأمسكت يدي بيدها الأخرى وطرقنا باب الكوخ الصغير في شيستر.. فتح الباب.. فقلت لهما: إليكما فراشتكما الصغيرة.. انهمرت الدموع الغزيرة على خديهما.. وجثا.. جون.. على ركبتيه، ونظر إلى (إيميلي) في عينيها، وقال: آه.. طالما تضرعت إلى الله أن أحملك ثانيةً.

سمعت (إيميلي) لأول مرة تتحدث قائلة: أحبك يا جدي.. بينما أخذت تمسح بغطائها الممزق دموع الرجل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد