Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/02/2009 G Issue 13293
الخميس 24 صفر 1430   العدد  13293
أبا هشام: لقد خسرناك
بقلم: خالد المالك

 

مع كل لحظة حزن نودِّع فيها بدموعنا قريباً أو صديقاً أو زميل عمل ورفيق عمر وداعاً يتأكد لنا أنه لن يكون لنا بعده من لقاء، فإن لحظات موجعة كهذه إنما تذكّرنا بأن مثل هذا الموقف أو المشهد الحزين سوف يتكرر مرات ومرات دون أن تكون لنا حيلة أو مقدرة تحول بيننا وبين زيارته لنا.

***

وفي كل مرة ينعى لنا الناعي وفاة حبيب من أحبائنا؛ فنفقد بموته مَن كان على مسافة قريبة منا ولصيقاً بكل ما يقرّبنا إليه ويشدنا نحوه من صفات يأتي من بينها النبل والشهامة والوفاء، فإن اللوعة والحزن والأسى تكون حينئذ أقوى من أن نسيطر معها على مشاعرنا وعواطفنا؛ لنكون مع هذا المصاب أو ذاك في وضع تبدو الحياة بكل ملذاتها ومتعها وإغراءاتها بلا قيمة وبلا معنى.

***

هذا الضعف الذي نواجه به مصائبنا، استسلاماً لإرادة الله، وهذا الفيض من المشاعر العاطفية التي لا قدرة لنا على مقاومتها، هي جزء من تكويننا وصفاتنا بعمومياتها وتفاصيلها، وهي تمثِّل بشكل أو بآخر روح العلاقة فيما بيننا التي لا تنتهي بموت أي منا، ولا تختفي مع غياب الأحباء عن هذه الحياة القصيرة.

***

وأمس الأول أُعلن ما خفي عن الحالة الصحية للأخ العزيز عبدالله الحقيل (أبي هشام)، حيث لم ينفع مع مرضه علاج وغربة ومعاناة، فقد استسلم لما اختاره الله له، وانتهت وطويت مع بداية يوم أمس الأول آخر صفحات نضاله مع التعليم والعمل، ومع الحياة والموت أيضاً، في رحلة جديرة بالتنويه عن رجل كافح من أجل أن يضع له اسماً كبيراً بين أسماء مَن خدموا بإخلاص هذا الوطن منذ بواكير شبابه وإلى أن توقف نبض قلبه وأسلم روحه لبارئها.

***

لكن (أبا هشام) لم يمنعه جلده وصبره وعصاميته وجديته وكفاحه من أجل أن يبلغ النجاح الذي بلغه في أهم الأعمال التي مارسها، من أن يكون رجلاً اجتماعياً، ولصيقاً بكل الناس، وحريصاً على أداء واجباته الاجتماعية وملتزماً بالتعاون مع مَن يطرق بابه أو يسعى إليه، وأن يقدّم نفسه في أكثر من موقف على أنه مواطن مخلص يُعتمد عليه، دون أن يتنازل عن قناعاته ومبادئه.

***

وعلى الجانب الآخر فقد كانت رحلته في الحياة غنيةً بالتنوّع والثراء العلمي والعملي، وقد بلغ به الاهتمام والحرص على هذا الخط أو هذا المنحى لإثراء مسيرته العملية - تحديداً - أن طرق جميع الأبواب وكل القنوات، فتعلَّم من الحياة ودروبها ما لم يتعلّمه في جامعته ومدرسته وبيته الصغير، حيث الفضاء الواسع والأرضية الخصبة التي اكتسب منها المهارة والجدية في أسلوب العمل، بما مكنه من أن يتفوّق على كثير من المختصين في أعمال تولى إدارتها في غير تخصصه وفنه.

***

يذكر لي أحد الأصدقاء القريبين من الفقيد أن اهتمامه بأسرته وسؤاله عنها وتلمّسه لاحتياجاتها وتفقده لأحوالها كان كبيراً ومميزاً، ويؤكد لي عن علم ويقين أنه كان صاحب مبادرات إنسانية واجتماعية وأسرية لا يسمح لأحد بأن يفشي بها أو يتحدث عنها أو يذكر أي شيء عنها، وهذه بعض خصاله وسجاياه وصفاته التي ربما خفيت حتى عن أقرب الناس إليه إلى أن وافاه الأجل المحتوم.

***

في جانب آخر وهذا لا أدعي معرفتي به دون غيري من الناس، أن (أبا هشام) وهو صاحب صداقات واسعة، لم يكن صاحب خصومة مع أحد، بل كانت من أجل صفاته ترحيبه الحار وبصوت جهوري مسموع بمن يلتقيهم مع ابتسامة لا تفارق محيّاه ولا تنفصل غالباً عن كل كلام جميل كان يوجهه للآخرين في احترام لمبدأ الحوار والتزام بثقافة الحوار، وهو ما لا يقوى عليه إلا من تمتع بتأهيل لتقبل تنوع الآراء.

***

لا أدعي أنني أعرف عن عبدالله الحقيل وعن صفاته ومسيرته في الحياة أكثر مما يعرفه عنه غيري، أو أنني كنت قريباً منه بما يقرّبني أكثر إلى الإلمام بالجوانب الأخرى المضيئة في حياته، لكني من خلال لقاءات كثيرة ومناسبات اجتماعية عدة جمعتني به فقد مكنتني هذه المناسبات من الاستماع إليه والسماع منه، وبالتالي قراءة أفكاره وتكوين هذا الانطباع الجزئي عن الرجل بأقل مما يمكن أن يقوله ويتحدث به آخرون عن شخصيته ممن هم أقرب مني إليه.

***

رحم الله أبا هشام، الرجل الذي كان زينة المجالس، بما ألهمه الله من حظ ليكسب هذا العدد من الأصدقاء والمحبين، وألهم أهله وأسرته وأبناءه الصبر والإرادة القوية لتحمّل الفاجعة بوفاته، فالمصاب جلل والمصيبة كبيرة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد