الباحث الدكتور سليمان الرحيلي رئيس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة طيبة بالمدينة المنورة أظهر حزنه، وأبان جزعه ليس على أحد من أهله، أو من أحبائه لا سامح الله، إنما حزنه يبدأ على مآل الآثار، ومضان التراث في المدينة المنورة.
لم يخف الرحيلي قلقه على (سد معاوية) حيث يراه وقد طاله شيء من التهميش، والتجاهل من قبل الجهات المختصة في مجال (التراث، والآثار، ولم يكن التهميش من قبيل الانشغال، بأمور أثرية أخرى، إنما تشاغل مادي صرف عن الثقافة، وزهد بالتراث، وعزوف غير مبرر عن كل ما له علاقة بالماضي، لأنه قد لا يدر المال مثل أي مساهمة يتكالب عليها الناس، أو حتى مطعم يملأ البعض منه البطون، والآخرون يتخمون من دخله الجيوب!.
(سد معاوية) قديم بما يكفي حيث أمر ببنائه الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان قرب المدينة المنورة قبل نحو (1400 سنة)، فقد تعرض للهدم جراء زلزال وقع قبل نحو ألف عام، وبقيت أجزاء منه حتى الآن شاهداً قوياً على أن هنا أو هناك شيئاً من الماضي المميز، ذلك الذي يستحق الاهتمام به، والتعريف بما يختزله هذا الإرث التراثي من معاني القوة، وحسن التدبير لتلك الأجيال التي لم يكن لديهم آنذاك أي رافعات أو مصانع أو طاقات بشرية كثيفة.
فالوقوف على هذا السد، وتأمل بقاياه ليس لمجرد اللهو أو الترف، إنما هو من قبيل الربط الجميل المدهش بين ماضينا وحاضرنا، وليكن نافذة نطل منها على حضارة من قبلنا، لنثبت لمن حولنا على الأقل أننا لسنا نهمين في تمطلب المادة، أو لاهثون وراء أي قشور، أو أننا -لا سامح الله- عديمو الاكتراث بالمعاني السامية في حياتنا.
من بوابة حزن الباحث الرحيلي على مآل (سد معاوية) بالمدينة لنطلق في رحلة أليمة إلى أماكن تراثية كثيرة في الوطن لا زالت تئن تحت وطأة التجاهل والنسيان والتهميش، حتى إننا نذكر أن جبل (ضايف) شمال حائل بنحو أربعين كيلاً كادت أن تلتهمه مزرعة عملاقة، فلم ينجو من العبث، ولم تراع أهمية الجبل نظراً لأنه يختزن ماضي تراث كبير، فقد سور بسياجات المزارع وكأنه أي ركام أو حطام يمكن أن يسوى بالأرض تحت أقدام اللهات خلف المادة والمكاسب فقط، وهناك قلاع تيما، وتبوك، والهفوف تنتظر قطار الصيانة الذي قد لا يأتي، فطالما أن الأمر لم يكن فيه لمحة (البزنس) أو التمصلح والمكاسب المالية الواضحة فلن يعبأ فيه!.
(العين الحارة) قرب جازان تعاني أيضاً من التهميش والتجاهل، فهي التي لم تطلها يد الصيانة والاستثمار المناسب، حتى إننا نرى ما يشابهها في دول عربية كتونس والأردن وقد أعدت منتجعات حول هذه العيون الحارة، لتصبح مع الوقت وجهة سياحية، فلماذا لا نعين الرحيلي فيما ذهب إليه، لنناصر فكرته الرامية إلى صيانة التراث والآثار التي طالما نحن بحاجة إليها، لعلنا ندرأ عنها غائلة التهميش والتجاهل والنسيان.
hrbda2000@hotmail.com