يتعرض المتدينون لحملة مكثفة من النقد الموجه وملاحقة لا تهدأ لتحركاتهم ونشاطاتهم أينما كانت، فهم منذ زمن الحادي عشر من سبتمبر وهم تحت المجهر، ويقود هذه الحملة مجموعة من الأقلام التي ما زالت تبحث عن ذاتها في جلباب فولتير الشهير، الذي يذكره التاريخ كثيراً، فقد كان أحد رموز النقد الديني الحاد ضد الكنيسة التي كان يحكم ويملك من خلالها الإمبراطور، التي انتهت بالثورة على كل المبادئ والأصول التي كانت تحكم فرنسا لقرون قبل اليوم المشهود.
لكن ما يحدث على أرض هذه البلاد يختلف، فالمتدينون الملاحقون بسهام النقد والتجريح لم يأتوا بجديد، فهم يؤدون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعتبر من أصول الدين كما أداها أسلافهم في المرحلة النبوية، وفي دعوة التجديد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكن المفارقة في المرحلة الفولتيرية في السعودية أن النقد لسبب ما يتجاوز نقد سلطة التشريعات والأصول، ليلاحق الاتباع الذين لم يخرجوا حسب فهمي من تعاليم السلف، ومن اجتهادات التابعين وأسلافهم في القرون التي تلت تلك المراحل.
فولتير فليسوف وصحفي فرنسي ولد في 21 نوفمبر سنة 1694، والده كان محامياً من أسرة ميسورة الحال، واسمه الحقيقي هو فرانسوا ماري أرويه، ولفولتير مواقف حادة من الكنيسة بشكل خاص، ومن الدين بشكل عام، وقد عبر عن تلك الأفكار في ملحمته الهزلية "الملحمة الموسوية"، وفيها أراد أن يقول: إن الدين إذا استثنينا الإيمان به ما هو إلا ذريعة تتسلح بها السلطات الاجتماعية لإخضاع أتباعهم وإرهابهم. وكان يؤكد في مجمل فلسفته أننا كأفراد أو عامة يجب أن تكون لنا حريات فردية أساسية كحرية التعبير.
الجدير بالذكر أن فولتير قاد حملته الشهيرة ضد الإقطاع الذي تشرعه الكنيسة، بينما يختلف الأمر في العالم الإسلامي، فالإقطاع لم يكن مرتبطاً بالدين فقط، ولكنه ظهر تارة في ثوب العسكر وتارة أخرى في الحكم باسم العلمانية والدين والتاريخ، بينما في حقيقة الأمر يناهض الدين الإقطاع والملكية المطلقة، ويقدم مواقف وأصولا تقلل من الإقطاع والسيطرة على المنافع والممتلكات، فنظام الإرث الإسلامي وركن الزكاة بإمكانهما إذا تم تطبيقهما التقليل من مضار الإقطاع، والعلة لا تكمن في سلطة النص الديني، لكن في خصخصة مفاهيم الدين واختزال سلطته في خدمة المصالح الشخصية، لكن القضاء في الإسلام ملزم برد المظالم.. كما ينص عليه التشريع الإسلامي.
لذلك أجد شيئا من الصعوبة في فهم ما يحدث من نقد شديد وحصري لسلوك أفراد الهيئة وبعض المتطوعين، بينما لا يتطرق هؤلاء الى نقد الفكر الديني أو التشريعات الإدارية والأصول الدينية التي تدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تستخدمه لفرض سلطتها الاجتماعية، ولم يكن التطوع بالوعظ والنصيحة إلا أصل قامت عليه الدعوة السلفية، كان نتيجته أن تجذر في عقول الأتباع من خلال تطبيقه لقرنين في ثقافة المجتمع، وما هؤلاء المتطوعون إلا أتباع يبحثون عن الأجر والثواب، ولم يأتوا بتشريع جديد.
لذلك لا يمكن لعب دور فولتير مزيف ضد التلاميذ وتجاوز أصول هذه الدعوة ومجدديها، ولا يمكن لعب دور البطل في قضية غير متكافئة، فالأمر يحتاج إلى روية وهدوء، وليس إلى التحريض لأن ذلك ليس في مصلحة هذا الوطن، وكل ما نحتاج إليه هو المطالبة على سبيل المثال بوضع قوانين وتشريعات متطورة تنظم عمل التطوع الديني وأدوار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومنها تحويل ثقافة التطوع ومفهومه الخاطئ في التدخل غير المشروع إلى تشريع يضمن حرية التعبير للجميع، وهو حق يدخل ضمن فلسفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع منح القضاء بعد تطويره دوراً في استقبال قضايا الفساد بشتى أنواعه من خلال قنوات مقننة وواضحة، وان يكون شعار الجميع هو (أنا لست مقتنعاً بشيء مما تقوله لكني سأدافع عن حقك في أن تقول).