أصبحت وول ستريت وغيرها من الأسواق العالمية أقرب ما تكون لمنطقة موبوءة وتحتاج لحجر صحي؛ فخطط الإنقاذ المعلنة أصبحت تستخدم مصطلحات الأصول السامة في إشارة لخطورتها، بل إن إحدى نقاط المعالجة تكوين صندوق أو بنك رديء لتجميعها فيه بتكلفة قد تصل إلى تريليون دولار أمريكي، ويبدو أن الأسواق محمومة ولم تعد تنفع معها المسكنات؛ فخطة أوباما التي أقرت بالأمس لم تعطِ دفعا كبيرا لطمأنة الأسواق نظرا لغياب المعلومات الشافية عن طريقة استخدام الأموال ومدى سرعة استجابة الاقتصاد لها، وصحيح أن الرئيس وفريقه أكدوا ألا حلول سريعة لكن من المهم أن تكون النهاية واضحة؛ فالاقتصاد المريض يعلم أن العلاج أمر واقع وسيكون هناك الكثير من الألم، ولكن يجب أن يعرف نسبة الشفاء التي يرتجيها وعمرها الزمني؛ فلم يستطع وزير المالية أن يجيب عن أسئلة لجنة المالية بالكونجرس حول إذا ما كانت وزارته ستسمح بانهيار بنوك مرة أخرى، ولم يعطِ معلومات عن طريقة شراء الأصول السامة وكيف سيتم تقييمها، ويبدو أن العجز عن أية إجابات شافية للسوق يعني أن الأزمة بالفعل بالغة التعقيد ولا أحد يعلم أين ستقف، فاليوم نتحدث عن تراجع مهول بأرقام التجارة البينية العالمية فاقت نسبته 18 بالمائة خلال فترة وجيزة، والنفط أحد علامات التعافي الاقتصادي لا يعرف منطقة سعرية ليستقر عندها حاليا بالرغم من تراجعه الحاد من 147 إلى قرابة 40 دولارا بفترة لا تتجاوز أشهر قليلة، والطلب يتوقع له الانخفاض بما يقارب المليون برميل كتقديرات أولية، أما الأرقام الاقتصادية بأمريكا فهي تسجل كل أسبوع وشهر مستويات قياسية جديدة بنسب التراجع، والبطالة تزداد بوتيرة عالية جدا، وانخفاض إنفاق المستهلكين جعل الناس تعيد استخدام بطاقات المعايدة القديمة بأعياد الميلاد في دلالة عن الإحجام الكبير عن الإنفاق بكافة المستويات؛ فاليوم لا أحد يثق بقدرة خطط الإنقاذ على معالجة الأزمة بسهولة فهي ستضيف حجما أكبر من المديونية على الحكومة، وقد تنفجر أزمة ثقة بمنح الحكومة الأمريكية، أي ديون بالمستقبل، وقد يحجم الدائنون عن شراء سندات الخزينة لأنهم قد لا يثقون بقدرتها على السداد بخلاف العائد شبه الصفري منها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع دول العالم بحاجة للسيولة؛ ما يعني توجيهها لداخل الاقتصاد المحلي بدلا من استثمارها بمحيط الديون الأمريكية واقتصادها المريض، فأنت عندما تسمع أن السم موجود بمكان لا يمكن أن تقربه وإذا كانت الحالة الصحية متردية فكيف ستقبل نقل العدوى لك. أما في أوروبا فالحال يبدو أنه سيصبح أكثر سوءا والتحدي كبير أمام دول بالكاد تحاول تقوية عملتها واقتصادياتها التي طالما اعتمدت على أمريكا، وفي بريطانيا فإن السيد براون مشغول بفكرة جرس الإنذار للأزمات ولا ندري لماذا لم يتم طلاقه منذ أن كان وزيرا للخزانة وهو يرى كيف وصل حجم الدين على المواطن البريطاني إلى 171 بالمائة من دخله، وكيف كان يراقب بنوكه تشتري المشتقات وتتوسع فيها ولم نسمع حتى صافرة توقف اللعب قليلا كوقت مستقطع كما يحدث بمباريات كرة السلة، ولكن يبدو أن بريطانيا كشف اقتصاديوها عن خطورة الأزمة لديهم بالقول إنه لا تعافي قبل عقد أو أكثر من الزمان، فلن تنفع إنذارات براون بعد اليوم لأنها تأتي في الوقت الضائع، وقد تضطر إلى الاندماج مع أوروبا وتغيير عملتها إلى اليورو مكرهة على ذلك؛ لأن الموت مع الجماعة رحمة. وفي الشرق حيث يراهن العالم على الصين والهند تبدو الأمور في طريقها للسوء؛ فتقديرات النمو تتراجع بشكل كبير للعام الحالي، والبطالة بدأت تدخل في مرحلة خطرة؛ فقبل أيام أعلن عن إضافة 20 مليون عاطل عن العمل بالصين والتخوف من صدامات وفوضى هناك أصبحت معلنة من قبل الحكومة نفسها التي قدرت النمو أن يصل إلى ما دون 7 بالمائة، وأعلنت عن تراجع بالصادرات بمقدار 17 بالمائة، وهم يخططون لمستقبل 1.3 مليار نسمة، فكيف سيكون تعاملهم مع هذه التحديات خصوصا أنهم يتطلعون إلى المرتبة الأولى اقتصاديا.
حقيقة هذا العام صعب جدا، ولا أحد يستطيع أن يقدر حجم الأزمة ليعرف متى ستنتهي، فمن عاصروا الكساد العظيم قلة، ولكنهم يعتبرون الأزمة الحالية أشد وأقسى، ولا يتوقعون تعافيا قبل العام 2012م، ولكن حتى ذلك التاريخ كيف ستكون الخارطة الاقتصادية؟ وهل يستطيعون معرفة نوع السم وكميته ليعطوه الترياق المناسب والكافي؟ هذا السؤال سيبقى دون إجابة بالمرحلة الحالية؛ لأن التشخيص ما زال غامضا، ولكن هل سنبقى نحن منتظرين لمعرفة حالة مريضهم أم سنتحرك لحماية اقتصادياتنا وعملتنا بعيدا عن السموم الأمريكية والطاعون الذي استشرى باقتصادهم؟