الرياض- «الجزيرة»
أكد المستشار السابق لهيئة سوق المال الدكتور إبراهيم الناصري عدم استطاعة هيئة سوق المال تطبيق العقوبات الواردة في نظام السوق من تلقاء نفسها. وقال في أجوبته على استفسارات قراء جريدة (الجزيرة): (تشمل العقوبات الواردة في نظام السوق المالية السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات في حالة الإدانة بالاحتيال والتضليل في التداول (التلاعب في السوق)، أو التداول بناءً على معلومات داخلية. كما تشمل السجن مدة لا تزيد على تسعة أشهر في حالة ممارسة الوساطة دون ترخيص. ولا تستطيع هيئة السوق المالية إيقاع تلك العقوبات من تلقاء نفسها ولكن لها أن تطلب الحكم بذلك من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ضمن لوائح الادعاء التي تُقدمها إلى اللجنة ضد المخالفين. ولم تُطبق اللجنة عقوبة السجن بحق أي مخالف حتى الآن).
وحول شركات الوساطة أوضح الناصري: (إشكالية العلاقة بين شركات الوساطة (البنوك الاستثمارية) والبنوك التقليدية (المصارف) كانت دائماً مثار جدل ليس فقط على صعيد الإخلال بقواعد المنافسة العادلة، كما ورد في السؤال، ولكن في مجال تعارض المصالح وتعريض البنوك لمخاطر جسيمة، وفي السعودية كانت البنوك تمارس أعمال الوساطة المالية إلى أن صدر نظام السوق المالية الذي قصر أعمال الوساطة على شركات المساهمة التي تحصل على ترخيص من هيئة السوق المالية. وبعد اضطلاع الهيئة بمهامها منعت البنوك من ممارسة تلك الأعمال ولكن البنوك عمدت إلى تأسيس شركات مملوكة لها وحولت إليها تلك الأنشطة بعد حصولها على التراخيص اللازمة من الهيئة. كما حصل عددٌ من المستثمرين على تراخيص مماثلة دون أن يكونوا مرتبطين ببنوك. وأصبحت شركات الوساطة تتنافس مع بعضها في سوق محدودة. وغني عن البيان أن للشركات المنبثقة عن البنوك ميزات تنافسية كبيرة على باقي الشركات لأسباب عديدة من أهمها سهولة الحصول على التمويل وتوفر العملاء وتراكم الخبرة ونحو ذلك. كما أن لتلك العلاقة القوية بين البنك وشركة الوساطة مخاطر هيكلية تتعلق بتعارض المصالح، كانت هي السبب في منع البنوك من ممارسة هذا النشاط).
وفيما يلي نص الأجوبة
* أنا عضو مجلس إدارة شركة مدرجة في سوق المال ومعجب بطرحكم الحكيم في زاوية مستشار السوق، وأريد منك توجيه نصيحة لأعضاء مجالس الإدارة الذين لا يدركون حجم المسؤولية الأخلاقية والقانونية المترتبة على عضويتهم، واتخذوا مناصبهم للوجاهة الاجتماعية فقط ؟
- في شركات الأموال على وجه العموم، وفي شركة المساهمة العامة بوجه خاص، يتحمل عضو مجلس الإدارة مسؤوليات قانونية وأخلاقية كبيرة أمام مساهمي الشركة. فمن الناحية القانونية تُوجب المادة الحادية عشرة من لائحة حوكمة الشركات على عضو مجلس إدارة شركة المساهمة المُدرجة في السوق أن يؤدي مهامه بمسؤولية وحسن نية وجدية واهتمام وأن يلتزم بما يحقق مصلحة الشركة عموماً وليس مصلحة المجموعة التي يمثلها أو التي صوتت لتعيينه. ولذا يعد عضو مجلس الإدارة ممثلاً لجميع مساهمي الشركة ومعنياً بما يحقق مصالحهم حتى لو كان على سبيل المثال مُعيناً ممثل لجهة حكومية أو كان مُنتخباً من مجموعة من المساهمين. ومن الناحية الأخلاقية يُعد عضو مجلس الإدارة نائباً عن كل المساهمين ومؤتمناً على أموالهم ومصالحهم مما يفرض عليه واجباً شرعياً وأخلاقياً في تحمل هذه الأمانة بنزاهة وحرص. وعلى وجه العموم هناك ثلاث مسؤوليات وواجبات رئيسة على عضو مجلس الإدارة، هي بذل عناية الرجل الحريص من أجل تحقيق أفضل مصلحة ممكنة للشركة، والامتناع عن أي عمل من شأنه إلحاق ضرر بها كتسريب أسرارها أو منافستها في نشاطها، والامتناع عن استغلال منصبه لتحقيق مصلحة خاصة، كالاستفادة من المعلومات الداخلية في التداول بأسهمها.
* يدور الحديث في أمريكا خلال الفترة الحالية حول المكافآت الضخمة (والمخزية كما وصفها الرئيس أوباما) التي يأخذها كبار التنفيذيين في الشركات، ألا تعتقد أن مثل هذه الممارسات موجودة لدينا بشكل سافر... وهل تتوقع أن تحد تطبيقات بعض بنود لائحة الحوكمة هذه الممارسات أم سيجد هؤلاء التنفيذيون ثغرات يلتفون بها بشكل أو بآخر؟
- لا يوجد في رأيي مبرر للقلق من ارتفاع مكافآت التنفيذيين في الشركات السعودية على نحو يضر بالاقتصاد الوطني كما هو الشأن في الولايات المتحدة. فخلافاً للثقافة السائدة في المملكة تدعم بيئة الأعمال في أمريكا حصول التنفيذيين على مكافآت كبيرة، لاعتقادهم الراسخ بأهمية عنصر الإدارة في نجاح الشركة من أجل الفوز بسباق التنافس الضاري بين تلك الشركات في بيئة تُقدس حرية التجارة وتزدري التدخل في اختيارات الناس وإدارتهم لشؤونهم، وإضافة إلى هذا العامل الثقافي نص نظام الشركات السعودي - ذو الروح اللاتينية - في المادة (75) على أنه إذا كانت المكافأة التي يحصل عليها أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة نسبة من أرباح الشركة فلا يجوز أن تزيد هذه النسبة على (10%) من الأرباح الصافية بعد خصم المصروفات والاستهلاكات والاحتياطيات التي قررتها الجمعية العامة وبعد توزيع ربح على المساهمين لا يقل عن 5% من رأس مال الشركة. وأكدت هذه المادة أن كل تقدير يخالف ذلك يكون باطلاً. كما أوجبت أن يشتمل تقرير مجلس الإدارة إلى الجمعية العامة العادية على بيان شامل لكل ما حصل عليه أعضاء مجلس الإدارة خلال السنة المالية من رواتب ونصيب في الأرباح وبدل حضور ومصروفات، وغير ذلك من المزايا وكذلك بيان ما قبضه أعضاء المجلس بوصفهم موظفين أو إداريين أو ما قبضوه نظير أعمال فنية أو إدارية أو استشارات. وقد أكدت لائحة حوكمة الشركات الصادرة من هيئة السوق المالية على هذا التوجه، حيث نصت في المادة التاسعة على وجوب تضمين تقرير مجلس الإدارة الذي يُنشر ضمن القوائم المالية السنوية على تفصيل عن المكافآت والتعويضات المدفوعة لكل من أعضاء مجلس الإدارة، وخمسة من كبار التنفيذيين ممن تلقوا أعلى المكافآت والتعويضات من الشركة، يضاف إليهم الرئيس التنفيذي والمدير المالي إن لم يكونا من ضمنهم. وتشمل هذه المكافآت والتعويضات: الرواتب والأجور والبدلات والأرباح وما في حكمها، والمكافآت الدورية أو السنوية المرتبطة بالأداء، والخطط التحفيزية قصيرة أو طويلة الأجل، وأي مزايا عينية أخرى. ويُفترض أن تكون هذه المعلومات مشمولة في التقارير السنوية للشركات المُدرجة عن العام المالي 2008م التي ستنشر خلال الأيام القادمة.
* سوق الوساطة المالية ما زال يعاني وجود فئة محتكرة ذات ميزة خاصة وهي الشركات التي خرجت من عباءة البنوك، ألا تعتقد أن هذه الميزة جعلت المنافسة غير متكافئة في هذا السوق والدليل على ذلك حجم التنفيذ الهزيل الذي يتم عن طريقها... ما الحل من وجهة نظرك القانونية؟
- إشكالية العلاقة بين شركات الوساطة (البنوك الاستثمارية) والبنوك التقليدية (المصارف) كانت دائماً مثار جدل ليس فقط على صعيد الإخلال بقواعد المنافسة العادلة، كما ورد في السؤال، ولكن في مجال تعارض المصالح وتعريض البنوك لمخاطر جسيمة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، انكشفت خطورة هذه العلاقة كأحد أسباب تفاقم كارثة الكساد العظيم في بداية ثلاثينيات القرن الماضي فصدر في ذلك الوقت قانون (قلاس سيقال) الذي يمنع البنوك من ممارسة أعمال الوساطة في الأوراق المالية. ثم أُلغي هذا القانون في عام 1999م فعادت البنوك إلى ممارسة هذه الأعمال مما عُد من أهم أسباب الكارثة المالية الحالية. وفي المملكة كانت البنوك تمارس أعمال الوساطة المالية إلى أن صدر نظام السوق المالية الذي قصر أعمال الوساطة على شركات المساهمة التي تحصل على ترخيص من هيئة السوق المالية. وبعد اضطلاع الهيئة بمهامها منعت البنوك من ممارسة تلك الأعمال ولكن البنوك عمدت إلى تأسيس شركات مملوكة لها وحولت إليها تلك الأنشطة بعد حصولها على التراخيص اللازمة من الهيئة. كما حصل عددٌ من المستثمرين على تراخيص مماثلة دون أن يكونوا مرتبطين ببنوك. وأصبحت شركات الوساطة تتنافس مع بعضها في سوق محدودة. وغني عن البيان أن للشركات المنبثقة عن البنوك ميزات تنافسية كبيرة على باقي الشركات لأسباب عديدة من أهمها سهولة الحصول على التمويل وتوفر العملاء وتراكم الخبرة ونحو ذلك. كما أن لتلك العلاقة القوية بين البنك وشركة الوساطة مخاطر هيكلية تتعلق بتعارض المصالح، كانت هي السبب في منع البنوك من ممارسة هذا النشاط.
* لماذا تقتصر عقوبات هيئة السوق المالية حتى الآن على الغرامات فقط ولم تطور لتفعيل العقوبات الأخرى المنصوص عليها في نظام السوق المالية كالحبس، فمن الملاحظ تكرار بعض المخالفين وخصوصاً من الشركات لمخالفاتهم؟
- تشمل العقوبات الواردة في نظام السوق المالية السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات في حالة الإدانة بالاحتيال والتضليل في التداول (التلاعب في السوق)، أو التداول بناءً على معلومات داخلية. كما تشمل السجن مدة لا تزيد على تسعة أشهر في حالة ممارسة الوساطة دون ترخيص. ولا تستطيع هيئة السوق المالية إيقاع تلك العقوبات من تلقاء نفسها ولكن لها أن تطلب الحكم بذلك من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ضمن لوائح الادعاء التي تُقدمها إلى اللجنة ضد المخالفين. ولم تُطبق اللجنة عقوبة السجن بحق أي مخالف حتى الآن.
* ساهمت مع أحد المطورين العقاريين في أرض منذ أكثر من 15 سنة وبعد ذلك اختفى صاحب المساهمة وأغلق مكتبه وليس عندي عنوان له.. ما دور وزارة التجارة تجاه حل هذه القضية القديمة؟
- سبق أن صدر قرار من مجلس الوزراء يُنظم آلية طرح المساهمات العقارية، وتضمن القرار تكليف وزارة التجارة والصناعة بتصفية المساهمات المتعثرة. ولكن الوزارة واجهت صعوبات في تنفيذ هذا القرار بسبب خلوه من صلاحيات تنفيذية تكفي لحمل أصحاب تلك المساهمات على التعاون مع الوزارة. وفي يوم الإثنين الماضي أصدر مجلس الوزراء قراراً يُوفر للوزارة الصلاحيات التنفيذية اللازمة، مما يضيء شمعة أمل أمام الآلاف من المساهمين الذين تعرضوا للنصب والاحتيال أو واجهت مساهماتهم العقارية عثرات بيروقراطية.