من الصعب جداً على الإنسان أن يدرك أنه: زل أو يدرك أنه: جار، أو يدرك أنه: أجحف بحق فلان أو علان من الخلق إذا كان ينزع إلى الحساسية المفرطة، أو الحذر الزائد، أو أن لديه ما يخاف عليه لو أطلع غيره ممن يملك (الحل والعقد) لذهب أيدي سبأ ولكي تتضح الصورة كثيراً ونقرب من الحقيقة قاب قوسين أو أدنى خذ رسالة وردت إليَّ عام (1400هـ) لأنشرها في: فتاوى إسلامية في الجزيرة جاء فيها: (الشيخ صالح بن سعد اللحيدان (مفتي الجزيرة) أشكو إلى الله ثم إليكم ما حصل لقد دخلت عليه بعد أن علمت أنه قد تم ترشيح موظفين على م/7 وهما قد جاءا بعدي وأنا أحق منهما 100% إذ إنني بالمرتبة (6) 6 سنوات وهما على مدة أربع سنوات، لم أتمالك نفسي دخلتُ عليه ورفعت صوتي فلم يرد علي أبداً، وذكرت له أن في مكتبه خاصة خمسة من أقربائه سوف أبين هذا للجهات المسؤولة فلم يرد علي لكنني فوجئتُ بعد شهر وسبعة أيام تماماً أنه تم نقلي إلى جهة أُخرى تتبع هذه الجهة كفرع لها وجاء في الحيثيات لسوء سلوكي وتأخري عن الدوام الصباحي.
صُعقت من هذا الإجراء فلم أباشر وقدمتُ طلب الاستقالة ففوجئتُ بعد صدور القرار أنني طلبت التقاعد المبكر ولم أطلب هذا.. أبداً.. بل: الاستقالة ومع شدة الألم النفسي والفزع منها أنذا متوجه إليك.. إلخ.).
وقد كانت الإجابة شخصية: (بأن يتوجه لديوان المظالم.. أو الحاكم الإداري أو ولي الأمر أو تدعو عليه بالاسم فلك الخيار، ولما كان الأمر يحتاج إلى مطالبات ومرافعات ولا يدري ما يحدث بعد ذلك فزع إلى الرابع (فزع إلى الله) وبدأت نفسه تهدأ وبدأ قلبه يطمئن مات لذلك المسؤول ولد وعمل بالتجارة مع الوظيفة باسم (ابن عمه) فلوحظ عليه ذلك فأحيل إلى التقاعد بناء على طلبه.. إلخ.
لقد كان الحقيقة العدل وعدم تراكم العذاب على ضعيف مسكين لكنها الحساسية والإجحاف بحق الغير.
ومما ورد إليَّ قريباً أن مديرة مدرسة سُئلت عن: مساعدتها فأسأت القول فيها لكن دون كتابة بل مُشافهةً فأُخِذَ قولها على محمل الجد فتم نقلها إلى قرية فأصيبت بالذهول والحيرة من جراء ذلك لكنها علمت بحكم خبرتها: (21 عاماً) وعلاقاتها أن المديرة هي من (إغتابتها.. ونمَّتْ عليها) فسككت وباشرت المسكينة ذلك العمل بمهانة وجزع وصبر تقول: (الشيخ.. صالح.. وسبحان الله لقد تأقلمت في هذا العمل الجدي ونسيت المديرة نسيتها مُطلقاً وقطعت صلتي بها، وهي يا شيخ.. صالح.. لا تعلم أنني أعلم، وبعد سنين لعلها 15 سنة فوجئت أنها طُردت من المدرسة لاستغلالها المدرسة بتوظيف قريباتها ونجاح بناتها 100%، وهذا يا شيخ لم أفرح به حتى لا أكون شامتة لكنني ازداد إيماني ويقيني بحكم الله وعدله ولو بعد حين) وقد كان في مقدور المديرة الصمت وعدم الوشاية بطريقة غاية في الذكاء والشيطنة. والمسؤولون ليس لهم إلا الظَّاهر وأن يقع بعض الوزر لضرورة التأكد من حقيقة القول ما بين: زميل وقريب وقريب وجار وجار ورئيس ومرؤوس، فالحذر الزائد يولد مُضاعفات شديدة شديدة جداً على المرء خاصة إذا كان ينزع إلى: المركزية بدهاء ظاهر بيِّن، ولا تستقيم الأمر بحال ما لم ينصف المرءُ من نفسه ولو على نفسه ويبعد عنه ذوي المصالح مهما كان ولاؤهم، فالمصلحة يقدمها هذا النوع على كل شيء وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي، و(عيون الأخبار) لابن قتيبة، و(الكامل) لابن الأثير، و(تاريخ الأمم والملوك) لابن جرير. عِبَرٌ وسيرٌ وحكمٌ وأمثال لكنها تحتاج إلى بطان واسع من عقل رشيد وتقوى وورع ونزوع إلى: العدل، وهذا يحتاج ولا جرم إلى: نبذ الحساسية والمركزية والغلو في كره الطرف الآخر أو حسده أو الخوف منه وكم آمل من كافة القراء الاطلاع بين كل فترة وفترة على تدبر سورة: (يوسف) صلى الله عليه وسلم لكن بنوع من التدبر وعمق الاستنطاق العقلي.
يقول (البرت منصر جاي) في كتابه: (في العيادة كلام) يقول: (استمعت كثيراً أكثر من ذي قبل إلى شخصيات آذت غيرها طواعية بحكم حساسية الحياة ونشوء زيادة وله الحذر، وما أدري ولعلني أدري أن تعاستهم وإن تظاهروا بالمجد الصوري إنما يكون بسبب إجهازهم الذكي على من يخالونهم يقفون في طريقهم ساعدهم في هذا مكرهم والشقة بكلامهم فلعلهم اليوم رهين آلام لا تبرح أبداً).
ويقول (أندريه جيد) أديب فرنسي جيد يقول: (ليس بمقدوري أن أدفع بغي قريبي أو زميلي أو مرؤوسي في العمل أو من أنا تحت توجيهه إذا رأى مني النجاح ولو في غير مجالهم، زعيم بي أن أسكت وأسكت حتى يدرك غيري الغبن ولو في حقب تالية).
الرياض فاكس/ 01233430