(القناعة كنز لا يفنى) أو هذا ما يقال، بصراحة أنا لم اختبر ذلك. هناك أشياء كثيرة في هذه الدنيا ليس من المفروض أن نجربها لنسلم بها، فنحن كبرنا وجدنا آباءنا قد سلموا بها عن اقتناع أو لا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.... الحديث)، طبعاً الفطرة هنا هي الدين الإسلامي، لكن ليس من الضرورة أن يكون الوالدان بالتعبير الحرفي هما من أثرا على أولادهما (وأنا هنا لا أحاول أن أناقش كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام لا قدر الله، قال تعالى في كتابه الكريم {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}لكني أعتقد أن حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أعطاه إياها الله تعالى من الأساس كانت تقصد في كلمة (أبواه) هو المجتمع والمؤثرات التي حوله.
إذاً كيف لطفل لأبوين مسيحيين على سبيل المثال يعيشان في إحدى القرى الأمريكية ولا يملكان سوى كنيسة واحدة في القرية تتوجه إليها القرية بأكملها كل أحد، كيف لهذا الطفل أن يعرف ما هو الدين الحق؟.. مثال آخر لطفل يعيش في أدغال إفريقيا ليكبر ويجد كل عشيرته تعيش لهدف واحد على هذا الكون هو إيجاد قوت يومهم.. (أعتقد أن الجميع قد سمع عن اكتشاف شعوب بدائية في أدغال إفريقيا أو أمريكا اللاتينية من فترة إلى أخرى)، على الورق ومنطقياً لا الطفل ولا الأبوان لهما أي ذنب في اختيار أو عدم اختيار الدين المتبع فهم سلموا بما وجدوه أمامهم واقتنعوا به دون مناقشة.
أنا شخصياً أسلم أن الله قادر على حفظ ديننا الإسلامي في كافة العصور والأزمنة دون نقاش أو جدال بل أبعد من ذلك أعتقد أن الله يعطي كل إنسان في هذا الكون فرصة ليسلك الطريق الصحيح ليسلم.. إن الإسلام هو سبيل الخلاص ليست المسيحية أو اليهودية أو غيرهما من الديانات، حتى لو كانت هذه الفرصة وهو على فراش الموت، لكن بعضهم تأخذهم العزة بالإثم ويرفضون التسليم بما اقتنعت به عقولهم ويتبعون المقولة (الموت مع الجماعة رحمة) أو (هذا ما وجدنا عليه أباءنا من قبل).
حصلت مؤخراً على شريط لمحاضرة لأحد الدعاة يحكي فيه عن رحلة قام بها إلى كينيا ووصل إلى أعماق هذا البلد الفقير جداً، حيث دخل قرية كان يحكمها رجال العصابات ومن الطبيعي أن يكره أبناء القرية رئيس العصابة الذي كانت لديه قدرة رهيبة على إقناع شباب القرية للانضمام إلى عصابته.
عموماً استأجر الشاب غرفة من قش وبدأ ينادي إلى الصلاة وتجمع حوله بعض أبناء القرية من رجال ونساء وبدأ يشرح لهم عن تعاليم الدين الإسلامي، ودخل بعضهم في الإسلام بعد أن جربوا حلاوته واقتنعت به عقولهم، وفي أحد الأيام وفي مواجهة بين الشرطة المحلية والعصابة أصيب على إثرها رئيس العصابة إصابة مميتة وقبض على بعض أفراد العصابة ولكي تترك الشرطة بصمتها في المنطقة تركت رئيس العصابة ملقى في ساحة وسط القرية وتجمهر حوله الناس، هناك من يشمت به وهناك من يضربه ومن أسلم من أبناء القرية بات يكبر ويهلل ويحمد الله الذي خلص البلاد والعباد من هذا الطاغية.
ومن وسط الحشود اندفع شاب كيني أسلم حديثاً وفهم معنى الإسلام ومعه بعض الماء ليسقي الطاغية وسط ذهول الجميع، وبعد أن سقاه بدأ بالتحدث معه عما يعرفه عن الدين الإسلامي وأن الفرصة لا تزال أمامه ليدخل في الدين الإسلامي وأن الله غفور رحيم، كان رئيس العصابة رجلاً عنيداً لا يقتنع بسهولة، ولكن كانت تلك اللحظة هي فرصته التي كتبها له الله وليقيم الحجة عليه يوم القيامة، فها أنت قد عرفت أن الدين الإسلامي هو طريق الصواب فما أنت بفاعل؟.. وتحت أنظار داعيتنا نطق المرحوم بالشهادة ثم توفى.
قام الداعية والشاب المسلم بحمل الرجل وغسلاه على افتراض حسن النية وأن الله قد رحمه من خلال نطقه بالشهادتين، ودعوا من أسلم من أبناء القرية للصلاة علية فلم يستجب أحد، حاول الداعية أن يقنع الناس أن الله أعلم بعباده وهو الرقيب الحسيب فلم يجد رداً، إلا أن البعض منهم ارتد على حاله الأولى واعدين شيخنا أنه عندما يقرب موعد وفاتهم سينطقون بالشهادتين ما دامت قد كفت مع طاغية كرئيس العصابة وجعلته معهم في نفس المكانة، ذلك لأنهم اقتنعوا بالدين الإسلامي كبديل عن دينهم أو عدم وجود دين من الأساس لكنهم لم يسلموا أنه هو الدين العادل الذي سوف يعطي كل واحد منهم الفرصة للإسلام وطاعة أوامر الله.
الحقيقة أننا لن نتعلم الكثير عن الإيمان بطرح الأسئلة الكثيرة لأنه لا توجد أسئلة عن الإيمان لكن يمكننا السؤال عن الدين، ومن المهم أن نفهم الاختلاف بين الإيمان والدين بين الاقتناع والتسليم، لأنه لكي تؤمن لا يشترط أن تكون لديك الإجابات الصحيحة حول الدين.
فالإيمان هو شعور، هو إحساس بأن هناك شيئاً ما يربطنا جميعا ببعضنا البعض وهو التسليم بوجود الله وإتباع أوامره من خلال إتباع سنة رسول الله صلى الله علية وسلم،