Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287
الأخضر.. رفيق الدرب
صلاح بن سعيد الزهراني

 

زود الله الإنسان بأدوات الحس والإدراك والتفكير أو التفكر، وأمرنا أن نعملها لنستفيد ونفيد من حولنا، وقد ورد لفظ (فانظر) في القرآن الكريم (13) مرة، وبصيغة الجمع (فانظروا) خمس مرات، ولفظ (يتفكرون) عشر مرات، منها ما هو بصيغة الأمر ومنها ما هو بصيغة التمني، ولولا أهمية أعمال الحراس في حياتنا والفائدة التي تعود علينا من ذلك ما خلقها الله، وقد استرعى انتباهي أحد رفقاء الدرب منذ الصغر، إنه الملف العلاقي الأخضر، فلا شيء يحل محله، فهو المطلوب بعينه، وبعض أنواع الدواء لها بديل، لكن هذا الأخضر - وأقصد به الملف العلاقي وليس المنتخب - ليس له بديل، ولا أعتقد أن مواطناً سعودياً لا يعرفه سواء في البادية أو الهجرة أو القرية أو المدينة، فإذا رزقك الله بمولود وأردت تسجيله في دائرة المواليد سيطلب منك أن تضع جميع الأوراق في ملف أخضر علاقي، وعندما يكبر هذا المولود وترغب بتسجيله بإحدى المدارس سيطلب منك أيضاً وضع كافة الأوراق في ملف أخضر علاقي، حتى الجامعة ورغم التطور المتسارع للتقنية لا تتخلى عن واجبها ودورها في طلب ملف أخضر علاقي، وفي حياتنا قائمة طويلة لاستخدامات هذا الأخضر العلاقي مثل استخراج بطاقة الأحوال، جواز السفر، رخصة القيادة، رخصة البناء، التقدم بطلب وظيفة.. وغيرها من الاستخدامات الأخرى التي نعرفها جيداً، وبعد كل هذا أسأل أو أتساءل: أو ليس الملف العلاقي الأخضر رفيق دربنا؟

ومن شدة تعلق هذا الملف بحياتي الشخصية أكاد أجزم أنه رفيق الدرب منذ الصغر، في أحيان كثيرة لدرجة أني أعتقد أن هذا الملف العلاقي الأخضر صنع من أجلنا نحن السعوديين فقط وليس لأحد سوانا، لأنني حقيقة لم أره يستخدم في أي مكان آخر خارج هذه البلاد، ولم أسمع أحداً يذكره أو أره في بلاد مجاورة مثل مصر، وأعذروني في التطرق لذكر أرض الكنانة هنا، فهم أهل المعاريض التي تشتهر عندهم باسم (العرضحال)، والعرضحال هو ورقة مدموغة أو ورقة يتم لصق طابع الدمغة عليها، والدمغة هي رسم تحصله الحكومة مقابل إعطاء صفة قانونية لهذا المعروض أو العرضحال، ورغم ذلك لا يشترط وضع المعروض في ملف علاقي.

لقد وصلت شهرة العلاقي الأخضر إلى جميع الصحف المحلية التي نقرؤها فجميع إعلانات الوظائف وغيرها تتضمن عبارة شهيرة (تقدم جميع الأوراق داخل ملف علاقي أخضر)، وأذكر أني في مراجعتي لإحدى الدوائر الحكومية تعمدت شراء ملف بلاستيك أخضر ووضعت فيه الأوراق المطلوبة وعندما قدمته للموظف المختص كانت المفاجأة، قال لي الموظف: غير الملف واذهب لراعي المعاريض وحط أوراقك في ملف أخضر علاقي ولا تنسى تخرم الأوراق من الجهة اليمنى ولو خرمتها من الجهة اليسرى ترى برجع المعاملة.

وعلى ذكر كتاب المعاريض، فهم فئة لهم شعبية كبيرة عند ذوي الحاجات من المواطنين وهم أكثر من يستخدم الملف الأخضر العلاقي، حيث إن الاعتقاد السائد لدى كثير من الناس أنهم أقدر الناس على كتابة المعاريض وصياغتها، رغم أخطائهم اللغوية والإملائية القاتلة ناهيك عن ركاكة النص.

وجدير بالذكر أن المتطورين منهم بدؤوا باستخدام الآلة الكاتبة منذ فترة لمواكبة التقدم المتسارع في التقنية، ولي ذكريات كثيرة معهم، فوالدي رحمه الله ورحم موتاكم وأسكنهم فسيح جناته كان أمياً وكان يحرص على تعليمي، وكان يتابعني من فترة لأخرى ليتعرف على مدى تقدمي في القراءة بإحضار بعض الصحف ويطلب مني قراءتها، ولما شببت عن الطوق لم يكن يقبل مني كتابة المعاريض لإيمانه المطلق بأن لكل صنعته وكنت أسمع منه قوله: (ترى كاتب المعاريض يعرف المسؤولين إيش يبغون)، رغم ملاحظاتي الكثيرة على هؤلاء الكتبة من كثرة الأخطاء سواء في الإملاء أو النحو، وكانوا يتقاضون ثمن تحرير المعروض بالإضافة إلى ثمن الملف العلاقي الأخضر الذي يضع به المعروض.

ورغم مساوئ هذا العلاقي الأخضر حيث كان أحياناً يمزق الثوب أو يجرح اليد أو يمزق المعاملات التي يوضع عليها وكثيراً ما كان يخدش طاولة المكتب مما دفعني لأن أحرص على عدم وجود علاقة بيني وبينه في محاولة للتخلص منه إلى الأبد، إلا أنني واجهت في عملي مشكلة في تنظيم المعاملات وحفظها وجلست أفكر وأفكر في إيجاد وسيلة لحل هذه المشكلة، واستغرق الأمر مني أسابيع عديدة وفي النهاية اكتشفت طريقة أنهت معاناتي مع هذه المعاملات، والمفاجأة التي فجرت الغيظ في نفسي بشكل مضحك هي أن القاسم المشترك لحل هذه المشكلة كان صديقنا الملف العلاقي الأخضر، واضطررت لعقد هدنة إلى أجل غير مسمى مع هذا العدو الصديق عملاً بالحكمة القائلة: (من لا يمكنك تجنبه عليك تقبله)، وللأمانة أوحى إليَّ بفكرة هذا المقال زميلنا الدكتور محمد حسين.

ويحضرني هنا سؤال أرجو من القارئ أن يجيب عليه بصراحة إذا أمكنه ذلك وهو: كم مرة ذكرت كلمة الملف الأخضر العلاقي في هذا المقال؟

الرجاء إرسال الرد في ملف علاقي أخضر.



alkatbz@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد