في كل مرة نفتقد قريباً أو صديقاً أو حتى زميلاً نتجمع نحن أصدقاءه أو معارفه أو زملاءه لنبكي ونذرف تلك الدموع الحارة والممزوجة بالحسرة والألم مترحمين على الفقيد، مرسلين بطاقات التعزية إلى أهله وذويه تحمل خالص العزاء وصادق المواساة في وفاة المغفور له بإذن الله (الفقيد).
واليوم ونحن نفتقد أباً وأخاً وصديقاً وزميلاً هو المرحوم معتوق شلبي - وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد للشؤون الإدارية والمالية سابقاً لن أستطيع أن أذرف دمعة واحدة على هذا الإنسان الذي زاملته أكثر من ثماني عشرة سنة مليئة بالحب والاحترام والتقدير والشهامة والمروءة.
كنت أرى فيه الإنسان الصادق والمحب والمساعد والداعم والمخفّف للآلام والصعوبات التي كان يواجهها أي إعلامي في أي وسيلة من وسائل وزارة الثقافة والإعلام. كان أبو فهد شعار المسؤول الطيِّب، وكان هذا الشعار يردده الجميع في الوزارة، من أراد ترقية، من أراد انتداباً، من أراد تدريباً، من أراد أي شيء فعليه أن يذهب إلى (معتوق شلبي). وقد تشرّفت بأن عاصرته لا كمسؤول فقط، بل كصديق (وما أكثر أصدقائه في الوزارة، في أي منطقة من المناطق الشرقية، الغربية، الجنوبية، الشمالية، - والوسطى بالطبع - الجميع أصدقاؤه). كان - رحمه الله - يدعونا بين فترة وأخرى لتناول العشاء في منزله العامر. كان - رحمه الله - يساعد الضعيف من جيبه الخاص ويقف إلى جانب المظلوم ويحقق مطالب الجميع. كان أبو فهد أول مسؤول التقي به بعد التحاقي بوزارة الثقافة والإعلام في عام 1986 بعد عودتي من الولايات المتحدة، أرسلوني له لكي أكمل إجراءات التوظيف بصفته وكيل الوزارة المساعد للشؤون الإدارية والمالية آنذاك. وأصدقكم القول كنت متهيباً قليلاً أن التقي بمسؤول كبير مثل أبي فهد وأنا أعرف أخلاقيات وتصرفات بعض الموظفين بصورة عامة والمسؤولين منهم بخاصة إلا أنني بعد دخولي على المرحوم في مكتبه (العادي جداً) استقبلني شخصياً بلهجته الحجازية الواثقة وقال لي: (ايش يابويا جاء بك لوزارتنا مشفت في الدنيا كلها إلا الإعلام تورط نفسك فيه)، قلت له وأنا أمزح: (الإعلام يابويا مثل الزواج شر لا بد منه) ضحك - رحمه الله - وقال: (زكي والله زكي)، يعني ذكي.
ولو أردت أن أسرد أفعاله وأعماله الإنسانية والخيرية والاجتماعية لما تمكّنت أن أجمعها في موسوعة ضخمة.. ولكن لا أعتقد أن هذه الأفعال والأعمال يستطيع أي منا أن ينساها وستبقى في صفحات التاريخ المشرّفة للإعلام والإعلاميين.
بعد إصابته بالجلطة رحمه الله، وأحيل للتقاعد، وعلى الرغم من ظروفه الصحية إلا أنه أنشأ منتدى في كل جمعة يحضره عشرات المثقفين والعلماء والإعلاميين وغيرهم في ندوات ومحاضرات هدفها الأول والأخير الفائدة التي تعم الجميع والتجمع الأخوي تحت مظلة الأب والصديق والأخ أبي فهد رحمه الله.
في نهاية كلامي أكرر وأقول: (لن أبكيك يا أبا فهد.. بل سأسأل الله العلي القدير أن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته ويلهم أهلك وذويك وأصدقاءك ومحبيك الصبر والسلوان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.. } أرجو أن تستمر ندوات ليلة الجمعة تخليداً لرجل برتبة إنسان صادق.. وأرجو أن يتم تكريم المرحوم تخليداً لأعماله الناجحة.
faelimit@farlimit.com