Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287
غزة العزة
مي عبدالعزيز السديري

 

تحية لك يا غزة البطولة والإباء والوفاء والصمود والانتصار، تحية إلى كل طفل وامرأة وشيخ صامد، تحية إلى كل بلد وقرية ومدينة وثغر، أحييك يا غزة تحية المحبة والاعتزاز والفخر بك، وبكل حبة رمل فيك، وبكل موجة بحر تقبِّل شواطئك، أحيي أرضك وسماءك وتضحيتك في سبيل فلسطيننا الحبيبة، هذه الأرض المقدّسة والمباركة التي تآمر عليها الغرب منذ فترة طويلة، بدأت بنابليون بونابرت عام 1839م الذي دعا اليهود للتجمع في فلسطين لمساعدته في محاربة الدولة العثمانية، ثم أتى مؤتمر لندن عام 1840 الذي خطط لجلب يهود العالم إلى فلسطين وبدأ في مساعدة اليهود في الدخول إلى فلسطين، علماً أن اليهود قد حاولوا إغراء السلطان عبد الحميد الثاني للسماح لهم في الإقامة في فلسطين، ولكنه رفض رفضاً قاطعاً مطلقاً، وكان مؤتمر بال عام 1798 الذي ترأسه هرتزل وحظيت دعوة الصهيونية لاحتلال فلسطين برضا الدول الأوروبية التي أرادت أن تحل مشكلتها مع اليهود وتتخلص منهم على حساب اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، ولذلك قدمت لهم كافة أنواع المساعدة التي تمثّلت في وعد بلفور المشؤوم الذي أعطته بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بلفور عام 1917م، وجاءت الحرب العالمية الأولى وانتصر الحلفاء على دول المحور، وانتدبت بريطانيا على فلسطين، ولتحقيق ما وعدت اليهود به عينت هربرت صموئيل اليهودي مندوباً سامياً في فلسطين، وبدأ هذا في سعيه المحموم في جلب اليهود إلى فلسطين من جميع أنحاء العالم، وصادر الأراضي وأخذ أملاك الدولة العثمانية وأعطاها لليهود، وسمح لهم باقتناء السلاح وساعدهم على التدرب عليه، في الوقت الذي حرَّم على الفلسطينيين حمل السكين، وبالطبع بدأ نضال الشعب الفلسطيني، فكانت ثورة 1921، ثم عام 1929م، ثم عام 1936م، التي حملت اسم الثورة الكبرى واستمرت حتى عام 1939م عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، وكان رد الحكومة البريطانية على الثورات الفلسطينية التي اشترك فيها العرب والمسلمون وعلى رأسهم المرحوم الشيخ عز الدين القسام الذي كان خطيباً في المسجد الكبير في حيفا، تلك الحكومة قامت بإعدام المئات وعلقت المشانق للفلسطينيين ولكن ذلك الشعب استمر في النضال، وكان عام 1948 حيث انسحبت القوات البريطانية في 14 ايار من نفس العام بعد أن هيأت المناخ للصهيونية وأعلن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين بعد حرب دخلتها الجيوش العربية بخمسة عشر ألفاً بأسلحة قديمة مقابل ستين ألفاً من الصهاينة الذين دربتهم بريطانيا في الحرب العالمية الأولى وزوّدتهم بأحدث أنواع السلاح، فكانت الغلبة فيها للقوات الصهيونية.

منذ قيام الكيان الصهيوني بدأ في ارتكاب الجرائم والمجازر المنتظمة داخل فلسطين وخارجها، فكانت مجازر دير ياسين وقبية وقلقيلية في فلسطين وبحر البقر في مصر وقانا في لبنان، تلك المجازر التي عرفتها الأجيال العربية عن طريق الرواية والكتب والمجلات. وجاءت الآن مجازر غزة التي يرتكبها الكيان الصهيوني والتي نشاهدها على شاشات التلفاز، وكما هي العادة تهاجم إسرائيل فتقتل وتدمر ويأتي الغرب وخاصة أمريكا ليقول إن الكيان الصهيوني يدافع عن نفسه، وينسى الغرب أن الكيان الصهيوني يحتل أرض فلسطين، تلك الأرض التي اغتصبها الغرباء الصهاينة وأخرجوا قسماً كبيراً من أهلها ليصبحوا لاجئين في مختلف بلاد العالم، نعم ينسى الغرب أن المشكلة تكمن في الاحتلال، احتلال فلسطين وأراض عربية أخرى في سوريا ولبنان اليوم .. يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة إلى حرب إبادة على يد العدو الصهيوني ويؤازره في هذا العدوان الغرب نظراً لتفكك العرب وتفرقهم وخلافاتهم السياسية التي كانت عوناً للعدو الصهيوني في عدوانه الذي استخدم فيه كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وقد ألقى على غزة ما يزيد على أربعة ملايين كيلوغرام من المتفجرات التي تستعمل لأول مرة في العالم، فارتوى تراب غزة بالدماء الطاهرة وأخذت الأرض ما أرادت من الأنفس الزكية، وأمام هذه الحالة فقد تحمل خادم الحرمين الشريفين المسؤولية في مؤتمر القمة وقال للكيان الصهيوني بكل صراحة وجرأة ونبل: (إن الخيار بين السلام والحرب لن يبقى طويلاً، وإن المبادرة العربية للسلام لن تبقى على الطاولة)، حقاً إنها صيحة غضب في وجه الظلم، صيحة زعيم عربي ذي أناة عند المقدرة، وذي إباء عن المغالبة، وبعد ذلك خاطب الكيان الصهيوني بكتابه فقال: (تقول توراتكم العين بالعين والسن بالسن، ولكنها لا تقول العين بعيون أهل غزة كلهم)، ثم خاطب رؤساء القمة مطالباً بلمّ الشمل فقال: (لقد تجاوزنا الخلافات العربية وسنقف صفاً واحداً في وجه العدو الصهيوني)، ووصف الصهاينة بالعصابة المجرمة، وأدان المجازر الجماعية التي يرتكبها ذلك الكيان الغاصب وأكد على حق غزة في الدفاع عن نفسها، وحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال، ولكي يضمد جراح أهل غزة تبرع خادم الحرمين الشريفين مشكوراً ومأجوراً بمقدار ألف مليون دولار كمساعدة تخفف عنهم آثار جرائم الصهاينة التي لا يمكن وصفها إلا بالوحشية والبربرية واللا إنسانية، إذ ان القوات الصهيونية أمطرت غزة بوابل من القذائف التي سقطت من البر والبحر والجو دون تمييز، كل شيء مباح، مدرسة اقصف .. مستشفى اقصف .. منزل اقصف، سيارات إسعاف اقصف، مستودعات أدوية أو أغذية اقصف، وكان هذا بموجب توصية من حاخام الصهاينة الأكبر الذي أباح قتل الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال والنساء، قصف مستمر على المدنيين بعد تجميعهم بقذائف الفسفور البيضاء التي توحدت مع ابيضاض البيت الأبيض الذي وصف عمل الصهاينة الإجرامي بأنه دفاع عن النفس.

ذلك الإجرام الذي تخطى كل حدود وتجاوز عدد الضحايا سبعة آلاف بين شهيد وجريح، شهادات الأطباء الذين وصلوا إلى غزة تقول ان 90% من الضحايا هم من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، وجميع إصاباتهم ناتجة عن أسلحة جديدة غير معروفة ويصعب معالجتها، وقال هؤلاء الأطباء الأجانب انه من العجيب انهم وجدوا أجساماً قد اختفت منها أجزاء كالأطراف أو الرأس، أو جهة من الجسم وكأن تلك الأجزاء لم تكن موجودة أبدا بسبب قذائف الدايمة التي ثبت وجود اليورانيوم الموضب فيها، تلك الأسلحة التي يمتد أثرها إلى كافة أبناء الشعب وإلى البلدان المجاورة كمصر، وتترك آثاراً سيئة لفترة طويلة على الإنسان والتراب وغير ذلك إلى عشرات السنين، علماً أن الرياح تحمل ذرات تلك القذائف إلى مئات الكيلومترات، ويمكن القول ان الكيان الصهيوني قد تعامل مع الشعب الفلسطيني وكأنه فئران تجارب، والحالة هذه يتوجب على الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم ان يلاحقوا القادة الصهاينة أمام المحاكم الدولية وينبغي أن لا يفلتوا من العقاب.

يقول أحد الأطباء النرويجيين انه شاهد العديد من الحروب والمجازر ومن جملتها مجزرة صبرا وشاتيلا وتمنى عندئذٍ أن لا يشاهد في حياته مثل تلك المناظر المؤلمة، ولكنه عندما دخل غزة الآن ووصل إلى مستشفى الشفاء وجد ان مجازر صبرا وشاتيلا ليست سوى نقطة في بحر إذا قورنت بمجازر غزة، وقال انه سونامي بل زلزال مدمر.

لقد اعترفت معظم وسائل الإعلام الغربية بانتصار غزة وهزيمة الكيان الصهيوني، وهنا لا بد لنا من ان نشكر هذا الكيان الغاصب لأنه بعمله الوحشي قد نقل الصورة الحية عن مجازره إلى الأجيال الحالية والتي ستنقل أخبار هذه الجرائم إلى الأجيال المقبلة، وبعمله البربري تقدمت القضية الفلسطينية وأخذت مركز الصدارة في الأحداث الدولية التي ينبغي ان يوجد لها حل، نعم ان إجرام الكيان الصهيوني أفسح المجال للقضية الفلسطينية ان تعبر حدود غزة وتتخطى الحدود الإقليمية لتصل إلى القارات الخمس وتحرك الشعوب على المستوى العالمي وتكشف الأكاذيب الصهيونية التي كانت تروجها وسائل الإعلام الصهيونية.

نعم لقد تعمق إيمان الجيل الجديد بالقضية الفلسطينية، وتجذرت الكراهية في قلوبه ونفوسه بعد ان نقلت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية المحرقة التي نفذتها آلة الحرب الصهيونية الغادرة.

لقد انتصرت غزة عسكرياً وسياسياً، وأما انتصارها العسكري يكفي ان نقول ان الكيان الإسرائيلي أوقف إطلاق النار من جانب واحد بعد ان تأكد من صمود غزة وعجزه عن التقدم نحو المدن وعدم رفع الرايات البيضاء، وخاصة بعد ان واجهت غزة قوات ذلك الكيان ومنعتها من التقدم فراوحت مكانها عدة أيام وتكبدت الخسائر بين صفوفها، علاوة على ذلك فإن المقاتلين بدأوا في شن هجمات على تلك القوات بالالتفاف عليها والاشتباك معها في صفوفها الخلفية وإيقاع الخسائر فيها، واستخدم المقاتلون الكمائن المتقدمة وتركوا القوات الصهيونية تتقدم ثم انقضوا على تلك القوات من الخلف، الأمر الذي أربكها وخاصة بعد ان استمرت الصواريخ تنهال على المدن الصهيونية بلغ عددها خمساً وخمسين مستعمرة، الأمر الذي فرض على القوات الصهيونية تبني وقف إطلاق النار دون ان تحقق أي هدف عسكري أو سياسي، وبهذا الإجرام فقد خسر الكيان الصهيوني كل ما كسبه خلال ستين سنة من الاحتلال حيث نجد ان العديد من الشخصيات الغربية قد أعلنت انها اكتشفت حقيقة الكيان الصهيوني وإجرامه وكذبه، ويكفي القول ان ما يزيد على ثلاثمائة وعشرين منظمة حقوقية تقدمت بشكاوى ضد قادة الكيان الصهيوني بتهمة جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وها نحن نجد ان السياسي المخضرم الأمريكي روبرت موللي يقول: يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في موقفها من المقاتلين الفلسطينيين، لقد وجّه الكيان الصهيوني ضربة قاسية إلى غزة ودمرها ولكنه لم يحقق أي هدف من أهدافه، وبدلاً من ذلك فقد صمدت غزة وحققت أهدافها وارتفع رصيد المقاتلين في العالم العربي والإسلامي، وازدادت الأصوات المستنكرة لهجوم الكيان الصهيوني في جميع أنحاء العالم، كما ان هناك عدداً من الدول التي كانت تعترف بالكيان الصهيوني قد أغلقت سفاراته وقطعت علاقاتها معه مثل فنزويلا وبوليفيا.

لقد استمعت إلى طبيب نرويجي يروي ما شاهده في غزة وآلمه ذلك، فأرسل رسالة إلى بلده يذكر جرائم الكيان الصهيوني وقال ان رسالته قد انتشرت في أنحاء أوروبا وأمريكا في خلال بضع دقائق.

هذه هي نتيجة المعركة في غزة، قوات صهيونية استخدمت كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً وأحرقت كل شيء، ولكنها لم تستطع ان ترغم أهل غزة على الاستسلام ورفع الراية البيضاء، لأن أهل غزة قد قرروا أن يهزموا العدو الصهيوني الغاصب، وقد تملكني شعور بالاعتزاز والفخر عندما سمعت المواطن الفلسطيني محمد الداية الذي فقد ثلاثة وعشرين شخصاً من عائلته عندما سألته المراسلة: هل تعتقد أن هناك معنى لحب الحياة بعد الآن؟ قال لها بكل هدوء .. الحمد لله على ما قدّر وفعل، هذا قدرهم وأما أنا فإنّ قدري أن أجعل الحياة تستمر .. سأتزوج وأنجب أطفالاً يتحوّلون إلى مقاتلين ويحملون الراية ويدافعون عن فلسطين والمسجد الأقصى.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد