Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287

(الجزيرة) تسأل:
التواضع ولين الجانب صفتان افتقدناهما.. فكيف نفعلها؟!

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

التواضع، ولين الجانب، والعفو، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف برفق.. من صفات المسلمين، ومن الوسائل التي تفتح القلوب الغلف، والآذان الصم، بإذن الله. والآيات والأحاديث النبوية التي تحث المسلمين على الالتزام بهذه الأخلاق كثيرة، وفي سيرة سلفنا الصالح القصص الكثيرة، ولكن هناك مَن لا يحسن إسداء النصيحة، أو يستخدم القسوة في الإرشاد والتوجيه، وهذا يؤثر سلباً في الدعوة، ويجعل الناس يعرضون عنه.. فهل افتقدنا صفات لين الجانب والتواضع والكلمة الطيبة، في خضم الحياة، والجري وراء المادة، وسيادة مفاهيم الأنانية والذاتية؟! وما الوسائل التي تساعد على لين الجانب والتواضع في التعامل مع الناس، سواء في العمل أو في البيت أو في الأماكن العامة ونحوها؟

قضاء حوائج الناس

بدايةً يؤكد الشيخ إبراهيم بن يحيى آل طالع عضو الدعوة والإرشاد بمنطقة عسير، أن التواضع خلق النبيين، وشرف الصادقين، ومن تعريف الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالطاعة، والخلوص له من الشرك، نستخلص الشرف الحقيقي، وهو التواضع لله تعالى، وإفراده بالعبادة، ذلك الشرف الذي يتجلى في سجود العبد لربه تذللاً ورقاً، وأنعم به من شرف يقودنا إلى شرف آخر وهو التواضع للعباد، فها هو قدوة المتواضعين، وخير العالمين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في بيته كان في خدمة أهله، وكان - عليه الصلاة والسلام - يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ مَن لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى اليسير، وكان - صلى الله عليه وسلم - جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً متواضعاً من غير ذلة، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم. والعلماء هم ورثة الأنبياء فحري بالعالم وطالب العلم أن يتحلى بهذه الصفة؛ استجابة لأمر الله - جل وعلا -، واقتداءً برسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وأن ألله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد). المتواضعون علموا حقيقة خلقهم، ودنياهم؛ فجعلوا الآخرة أكبر همهم، وآثروا على أنفسهم، ووجدوا السعادة في قضاء حوائج الناس، ولو بكلمة طيبة؛ فلهجت الألسن بالدعاء لهم بالخير والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وكم هم جميل بالرجل ذي المكانة العالية أن يجمع بين شرف المنزلة وشرف التواضع؛ فيكون كالشجرة الطيبة كلما زاد ثمرها تدلت أغصانها لتكون قريبة ممَّن حولها.

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يعلو بنفسه

إلى طبقات الجو وهو وضيع

إن الكبر خلق مذموم يتصف به مَن غفل عن حقيقة خلقه ودنياه، وابتعد عن تعاليم ربه ومولاه، يقول المولى - جل وعلا - : (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال خردلة من كبر)؛ وعلى هذا فإن من الوسائل التي تساعد الإنسان على لين الجانب والتواضع في تعامله مع الناس، سواء في عمله أو في بيته أو في الأماكن العامة ونحوها: امتثال التوجيه الرباني الوارد في كثير من الآيات بهذا الشأن، والاقتداء بأخلاق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والتأسي بسنته، واستحضار ما لقضاء حوائج الناس ولين الجانب من أثر طيب في النفس، ومعاملة الناس بما يحب أن يُعامل به الإنسان من كمال الإيمان كما قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، والحرص على عدم تأثير الردود النفسية والمشاكل الشخصية على أخلاقيات العمل، وجلب دعاء الناس بالتواضع لهم ولين الجانب ومعرفة أثر ذلك في حياة الإنسان.

حسن الخلق

يوضح الأستاذ الدكتور أحمد بن عبدالله الباتلي الأستاذ بقسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض الوسائل المساعدة على لين الجانب والتواضع مع الناس، وذلك وفق الآتي:

1 - ينبغي لكل مسلم أن يستشعر الأجر العظيم الوارد في حسن الخلق مع الناس، قال - صلى الله عليه وسلم -: (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم).

2- التأسي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع أصحابه وتواضعه لهم، ولين جانبه مع الجميع، ومن نماذج ذلك أن تأتي الجارية فتأخذ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد أسواق المدينة، ورفقه بالأعرابي الذي بال في المسجد، وعفوه عن بعض أسرى بدر، ولين جانبه مع كفار قريش يوم فتح مكة وقال لهم: انطلقوا فأنتم الطلقاء، وكذلك شفقته مع صغار الصحابة وقوله لأحدهم: يا أبا عمير ما فعل النغير.

3- تذكر قول الله تعالى: (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ)، فتذكر أيها المعلم أنك كنت طالباً، وتذكر أيها المدير أنك كنت موظفاً، وهكذا احمد الله على النعمة واحرص على لين الجانب مع إخوانك، وخير الناس أنفعهم للناس، ومن أعظم القربات قضاء الحاجات.

4 - على كل منا في موقع المسؤولية أن يحرص على تنفيذ توجيهات ولاة أمرنا - أعزهم الله بطاعته - بسرعة إنجاز معاملات المواطنين، وعدم تأخيرها، والحرص على تنفيذ ما فيه رعاية لمصالح أبناء هذا البلد الأمين.

5 - الحرص على لين الكلام، وحسن الخطاب، واعلم أن ربنا أوصانا بقوله - عز وجل -: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)، و(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)، واحفظ لسانك عن الإساءة إلى الناس؛ فالكلمة الطيبة صدقة، ورب كلمة طيبة وابتسامة صادقة أثرتا في النفوس كثيراً؛ يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -:

أُخيَّ إن البر شيء هين

فعلٌ جميل وكلام لين

نظرات قاصرة

تذكر الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الملك عبدالعزيز، وسائل عدة تساعد الإنسان على التواضع، منها:

1 - شعوره بأن الله - سبحانه وتعالى - هو الجبار المتكبر ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وهذا الوصف له لا لسواه، قال ابن كثير - رحمه الله - في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)؛ أي الذي لا تليق الجبرية إلا له، ولا التكبر إلا لعظمته، كما تقدم في الصحيح: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منها عذبته)، وهذا الشعور يجعله ينكسر أمام خالقه ويتذلل إليه ويربي نفسه على الخضوع والتواضع ولين الجانب مع الخلق.

2 - أن يعلم يقيناً أن كل ما أوتيه من علم أو مال أو دين إنما كان بفضل ومنة من الله، وأن لله القدرة التامة على أخذه منه، ونزعه منه، ولنا في قصة قارون حين قال عندما أنعم الله عليه: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)، درس عظيم ينبغي أن يستشعره العبد؛ فقد تكبر قارون؛ فسلب الله النعمة منه. وما زلنا نرى ونسمع في ماضينا وحاضرنا شواهد عديدة ممن استكبر وتجبر؛ فأرانا الله فيه قدرته، فيا حبذا لو يفهم المرء هذا الدرس فهماً صحيحاً قبل أن يقع فيه؛ فيكون درساً هو لغيره.

3 - التأسي بأفضل الخلق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ومَن بعدهم من الصالحين في تواضعهم وتسامحهم ولين جانبهم. ولقد سطر تاريخنا صوراً عظيمة، سواء في سيرة خير الخلق أجمعين نبينا - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - في تواضعه ورفقه مع الكبير والصغير، والغني والفقير، أو تواضع خلفائه - رضي الله عنهم -، ومَن بعدهم من الصالحين، وكذا تواضع علماء الأمة الأخيار، وصالحي أغنيائهم على مدى الزمان.

4 - أن يعلم أن هذه النعم التي أوتيها تستلزم منه شكر المنعم وليس التكبر على خلقه.

5 - أن يعرف أنه بتواضعه يصل إلى مرضاة الله أولاً ثم إلى قلوب الخلق محبةً واحتراماً ووداً، ونظرة البعض القاصرة للمتواضع اللين الجانب الطيب الكلمة أنه ضعيف الشخصية نظرة غير صحيحة، ولا تعد مبرراً سليماً للتكبر والغلظة والشدة التي يظن أنها قوة شخصية، وأن المرء بها يصل إلى احترام الآخرين وتسييرهم على ما يرى ويريد، وقد قال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، مَن ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه)؛ فعلينا جميعاً بالرفق؛ فإن الله يحب الرفق، ومَن حرمه حرم الخير.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد