السؤال:
كثرت في الآونة الأخيرة رسائل الجوال والبريد التي تكون فيها مثلا دعاء أو نصيحة ويقال أمنتك الله أن ترسلها وتنشرها أو أن يقول: إذا أرسلتها سوف تسمع خبرا سعيدا هل علي إثم إن لم أنشرها وما حكم مثل هذه الرسائل؟
الجواب
الاستفادة من الوسائل الحديثة كالجوال والبريد الإلكتروني في نقل النصيحة والموعظة، والتذكير والتوجيه، عمل نافع وأمر مثمر؛ إذ يمكن إيصال ذلك لمئات من الناس بضغطة زر واحدة، ومعلوم أن الدال على الخير كفاعله، وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، كما روى مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
وروى مسلم وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
فإذا كتب المسلم نصيحة حول أذكار الصباح والمساء مثلا، وأرسلها إلى مائة من الناس، فعمل كثير منهم بنصيحته، كان في ذلك أجر عظيم له.
ولهذا ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل، والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تبث من خلالها، ليكون لها أكمل الأثر، وأتم النفع.
لكن مما يؤسف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيئ، وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل، كقوله: إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيدا!!، فهذا ضرب من الكهانة، فليس هناك دليل شرعي على أن من تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه يسمع خبرا سعيدا، بل قد يسمع خبرا سيئا، أو سعيدا، او لا يسمع شيئا.
وكذلك من يقول: حمّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها، أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك، أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا، فهذا كله باطل لا أصل له، فالمرسل له لم يتحمل شيئا، وليس هناك ما يلزمه بالنشر، ولا يأثم إن تركه، ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجب من الشرع، كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعمله إلا الله.
وترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى، فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والثواب والعقاب من عنده، ومن قال في ذلك شيئا بغير برهان منه فقد افترى، وقد قال سبحانه {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف.وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير، عن طريق ترغيبهم وترهيبهم، لكنهم أخطأوا وتجاوزوا، وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع، وفيه الغنية ولله الحمد، كقولهم: ان من نشر هذا الخير، يرجى له مثل أجر جميع من عمل به، وكفى بذلك محفزا ومشجعا على النشر.
وهذا مما يبين أهمية العلم، فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله، كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم، بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه، فيقع في الكذب المتوعّد صاحبه بالوعيد الشديد، لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن!
والمقصود: التنبيه على بطلان هذا المسلك، والتحذير منه، ولهذا نقول: ينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل، ان ينصح لصاحبه، وان يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفزات الباطلة، وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه ان نشر سيحصل له كذا وأن لم ينشر سيحصل له كذا، لأنه نوع من الكذب كما سبق وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
الشيخ محمد المنجد
الإسلام سؤال وجواب