جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصبر عند الصدمة الأولى).
والذي يخطر بالبال حال قراءة هذا الحديث أو سماعه أن المقصود به الصبر على المصائب الكبار من نحو فقد الأموال، أو الأنفس العزيزة على النفس، وما جرى مجرى ذلك.
وهذا حق، وهو مراد أولي في ذلك الحديث، ومطلوب ممن ابتلي بشيء من ذلك أن يصبر عند أول وهلة، وأن يتماسك، وألا يتزعزع؛ فإنه بذلك ينال الأجر، ولا تلبث المحنة أن تكون في حقه منحة.
ولعل الأمر لا يقف عند مجرد الحوادث الكبار، بل يشمل الأمور التي دونها مما يمر بالإنسان في حياته اليومية؛ فإنه إذا أخذ بتلك الوصية النبوية العظيمة حصلت له نتائج باهرة، وسلم من تبعات باهظة تنال نيلها منه.
ومن أمثلة ذلك أن تتصور أن شخصا أساء إليك، أو رماك بما ليس فيك؛ فاستشطت عليه غضبا، وهممت برد إساءته بمثلها أو أشد، ثم تذكرت الصبر عند الصدمة الأولى، فتريثت حتى هدأت نفسك، فرأيت أن الأمر أهون مما تتصور، وأن هناك طرقا أخرى يمكنك الأخذ بها حيال هذا الأمر.
وهب أنه بلغك عن أحد أنه نال منك أي منال، فوجدت في نفسك عليه، وحرصت على لقاء صديق لك؛ لكي تفرغ أمامه شحنات غضبك بالنيل ممن نال منك، ثم رأيت أن تصبر عند أول وهلة، وأن تدع الكلام في تلك اللحظة.
لا شك أنك ستحمد العاقبة إذا هدأت نفسك، وسكنت ريحك، وعاد إليك رشدك.
ويزداد سرورك إذا تبين أن ما بلغك غير صحيح، أو أن لتلك المقولة تأويلا سائغا؛ فتكون بذلك احتفظت بأوراقك، وكرامتك، ورزانتك، وسلامة قلبك، وسَلِمْت من خسارة صديق، ونأيت بنفسك عن الإساءة إلى بريء، ولم تقع في بحر الندم والحسرة وذلك الاعتذار.
وهب أنك توقعت النجاح الباهر في أمر من الأمور ثم جاءت الأمور على خلاف ما تريد، ثم صبرت، وتجرعت تلك المرارة، لا شك أنك ستظفر بحميد العاقبة.
وهب أنك انتظرت من أحد الناس موقفا حول قضية تخصك، ثم وطّنت نفسك على ألا يكون عند ظنك به، ثم حصل منه تباطؤ، وخذلان لك، وقلة إقبال عليك، فصبرت عنه أول وهلة.
لا شك أنك - والحالة هذه - ستتلقى الأمر برحابة صدر، واطمئنان نفس.
وإن حصل منه إسعاد لك، وإقبال عليك، ومسارعة إلى نجدتك - لا شك أن فرحك سيتضاعف.
بخلاف ما إذا لم تصبر، أو توطّن نفسك عكس ما أملته؛ فإنك ستصاب بألم مضاعف، وحسرات متزايدة.
وعلى هذه النبذة اليسيرة فَقِسْ.
* الزلفي