هناك أحداث تاريخية ومنعطفات خطيرة مرت بها المملكة وكان فيها للعلماء دور بارز بتوجيه المجتمع إلى الأصلح والسير بالبلاد نحو التنمية والتطور في ظل الشريعة السمحة، فكانت تلك الأحداث والمنعطفات شاهد عيان على أن المجتمع لا غنى له عن دور العلماء في التوجيه والإصلاح والتنمية والأمن والاستقرار.
فأما على صعيد الأحداث فقد كانت هناك (نزعات انفلاتية) داخلية شهدتها المملكة منها ما بقي أفكاراً في عقول تصدى لها أهل العلم والدعوة بالفتيا والتوجيه والإصلاح والنصح حتى تبين الحق واتضح وأفجر وأصبح فرجع أصحاب (النزعات الانفلاتية) نشطاء فاعلين في المجتمع يشاطرون العلماء دورهم في الإصلاح والتوجيه والتنمية والتطوير والبناء بعد أن كانوا من الهدم قاب قوسين أو أدنى.
ومنها ما تحول إلى فتنة بالسلاح وخروج بيّن على طاعة ولاة الأمر والمجتمع فوقف لها العلماء والدعاة وقفة حازم وبينوا حكم الله في ذلك ونصحوا ووجهوا فكان الفضل بعد الله لهم في كشف شبهات المكفرين بالباطل والمروعين لأمن الوطن وأهله.
ولولا الله ثم العلماء والدعاة لانتشرت فتنة الخروج قبل حرب الخليج وبعيدها وبعد أحداث 11 سبتمبر انتشار النار في الهشيم ولعادت على وطننا الغالي بالشرر العظيم وللعب في مائها العكر كل عدو ولئيم.
ونحن هنا لا نبخس أهل الفكر حقهم ولا نقلل من أدوارهم ولكنهم ليسوا سواء فمنهم الوطني المخلص المنصف وهذا لا شك أن له في الأزمات دوراً في علاجها بحكمته وتوجيهه وغيرته على دينه ووطنه ومنهم من يجعل من الأزمة منطلقاً لأجندته!!.. وأين الثرى من الثريا فحوادث من هذا النوع لا يزيدها النقد من غير العلماء والدعاة والمخلصين إلا اتقادا إذا كان لهؤلاء المنتقدين للأحداث مآرب أخرى وخلفيات تجعل من الحدث فرصة لتمرير (الايديولوجيا كالعلمانية أو الليبرالية مثلاً) وقد رأينا وسمعنا وقرأنا مقالاتهم تنتقد حتى لبس الثوب والشماغ وتخلط الحابل بالنابل في سياق انتقاد التكفير مثلاً!! وما كان لنقد كهذا أن يرقى لمستوى التوجيه ومعالجة الأزمة بل يزيد من استفحالها وتعميقها..!! إنه دور العلماء الثقات الذين يصلحون بنصح ويوجهون بإخلاص وهمهم ومقصدهم حفظ الدين والنفس وصلاح الإسلام والمسلمين وشعارهم:"معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون! ولا تزر وازرة وزر أخرى! إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب!
وأما على صعيد المنعطفات فهناك منعطفات سياسية واقتصادية واجتماعية برهنت أن حاجة المجتمع كله ماسة إلى العلماء فهم للناس الأسوة لهم يطمئنون وبهم يقتدون ويساسون!
وهناك أمثلة كثيرة على ما نقول، فالمجتمع ألزم في مناسبات كثيرة جهات عديدة بأن تكون مشاريعها وقراراتها وتشريعاتها نابعة من الشريعة الإسلامية ومصدقة من أهل العلم المعروفين حتى يكون لها قبول بين الناس من ذلك على سبيل المثال سياسات البنوك ومعاملاتها المالية فقد وجدت كثير من البنوك نفسها على اختلاف مشاربها مضطرة إلى تكوين لجان شرعية من علماء معتبرين لتأكيد شرعية معاملاتها أمام المجتمع وطمأنة عملائها، والسبب كان -ولا يزال- هو تراجع العملاء وتخوفهم من أي بنك لا يصدق معاملاته بفتاوٍ وقرارات شرعية من العلماء تطمئن لها النفس!! فإذا رأى الناس فتاوى وإجازات مصدقة اطمأنوا للمعاملة وباشروه بالانخراط ولا يوجد بنك واحد في المملكة ينكر هذا الأمر على الرغم من عدم الدقة والانضباط في تنفيذ بعض المنتجات المصرفية الإسلامية!! ومع انفجار الأزمة المالية الحالية بسبب المعاملات الربوية أصبح الناس أكثر تخوفاً من أي وقتٍ مضى من أي معاملات بعيدة عن الشريعة ولا سيما مع توجه الدول الغربية إلى تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي وتنامي ظاهرة البنوك الإسلامية حول العالم. هذا المشهد الذي نعيشه على مستوى المعاملات المالية يرمز إلى أهمية العلماء وحاجة الناس إلى أدوارهم في الحياة فهم عصب كل تنمية أو تطوير يمكن أن يكون!! ويخطأ بل يريد حجب الشمس -من ينفي هذه الحقيقة!! ولا يفوتنا هنا التنويه بدور ولاة الأمر حفظهم الله- بأهمية تكريم العلماء وتقديرهم وهو ما يعكس استمرار العقد التاريخي بين دولة آل سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب وكم هي جميلة وقوية ومؤثرة وحكيمة تلكم الكلمات البليغة التي ألقاها سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز يحفظه الله في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قبل أسابيع، مؤكداً هذا الأمر حيث قال: (إن الدولة السعودية دولة السلف الصالح منذ أن قامت فأول ما اهتم به مؤسس الدولة الأولى الإمام محمد بن سعود هو كتاب الله وسنة نبيه ووضع يده بيد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال منك العلم ومني نصرة العلم فتعاونا على الحق والتقوى فقامت الدولة السعودية الأولى وحققت وحدة هذه الأمة ولكن هذا لم يرض الآخرين فحاربوها حتى انتهت وبعدها الدولة الثانية التي أسسها الإمام تركي بن عبد الله وكذلك حوربت حتى انتهت وجاءت الدولة الثالثة التي أسسها الملك عبد العزيز رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيراً.. وحد هذه الأمة، وأول ما اهتم به هو توثيق العلم وأدخل العلماء من كل مكان ليفقهوا الناس ويعلموهم أمور دينهم ويصححوا كل أمر خاطئ)!!.
وللحديث بقية.
****