شرفني من أجل قدره وأحمل له وداً خالصاً ومحبة صادقة بإهدائي نسخة من كتاب رائع تحت اسم (الرياض في عيون الرحالة)، قرأت الكتاب من بدايته إلى نهايته في يومين دون مزيد، وأعدت أمانة الرياض الكتاب، وقدم له سمو الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن عام 1421هـ، وما فيه من محتوى تم انتقاؤه بعناية من أقوال الرحالة الذين زاروا الرياض، في رحلاتهم لجزيرة العرب، والمنطقة العربية.. والكتاب فيه من المتعة والتشويق ما يجذب كل من يحب التعرف عن ماضي الرياض القريب.
وخلاصة الرحلات يمكن حصرها في ثلاث فترات، أولاها تلك الرحلات التي تمت بعد هدم الدرعية من قبل إبراهيم باشا وفترة الإمام فيصل بن تركي، والثانية في عهد السلطان عبدالعزيز ومن ثم الملك عبدالعزيز، والثالثة في عهد الملك سعود -رحمهم الله جميعاً-.
الرحالة الثلاثة الذين زاروا منطقة الرياض في الفترة الأولى هم الرحالة: جورج فروستر سادلير عام 1234هـ - 1819م والرحالة وليم جي فورد بالجريف عام 1279هـ-1862م، والرحالة لويس بلي 1281هـ - 1865م.
سادلير جاء مهنئاً لإبراهيم باشا على إسقاطه الدولة السعودية الأولى بتكليف من حاكم الهند البريطاني، وزار الدرعية ومنفوحة والرياض، ووصف الدرعية بأنها قد أحيطت بالحطام من كل جانب وهي في حالة دمار شامل، وأما سكانها الناجين من القتل فقد لجأ كل منهم إلى ما يراه مكاناً آمناً، وأما منفوحة في تلك الفترة فيقطنها نحو ألفي أسرة وقاطنو الرياض لا يتجاوزون هذا الرقم بأي حال، وذكر سادلير بأن سكانها يعيشون في حالة بؤس، ومع هذا فقد أظهروا مقاومة كبيرة لغزاتهم الأتراك.
أما وليم بالجريف فكان أكثر الرحالة وصفاً جغرافياً بالمناطق التي زارها، شكك البعض في ما رواه وذهب البعض إلى أبعد من ذلك ذاكرين بأن الرحلة لم تتم وإنما نقل من أفواه الناس وصفاً لتلك وفضل أن يدعوه بلقب وزير الخارجية، ولم يذكر سوى اسمه الأول.. كما لم يحوِ الكتاب نبذة عنه في الحاشية، ولهذا ظل مجهولاً، ولفت نظري ما ذكره بالجريف عن أنهم قد تناولوا الأرز مع لحم الضأن، ثم كمية من التمر وبعد ذلك فنجاناً من القهوة، فقد كنت قبل قراءة هذا النص غير مدركٍ بأن سكان الرياض كانوا يأكلون فيما مضى الأرز كمائدة رئيسية، وكنت أعتقد أن البر والتمر واللبن وما ينتج من خضروات وفواكه محلية تمثل غذاءهم الرئيسي، فأما الأرز فربما يؤكل في حالات نادرة بجلبة من الأحساء أو العراق. ومن ملاحظات بالجريف أن أهل الرياض وربما جميع أهل الجزيرة العربية في ذلك الوقت لا يأكلون البصل نياً، كما لا يأكلونه إلا وقد احتاطوا بالسواك خاصة إذا قرب موعد الصلاة، وأقول لبعض رواد المساجد في زماننا هذا أن يرحمونا بالإقلال من الثوم والبصل حتى لا تتأذى الملائكة ويتأذى ابن آدم، وذكر بأن الأمير عبدالله بن فيصل -رحمه الله- كان حريصاً على السؤال عن الأمراض الطبية كأمراض الدم واللمفاوية، وهذه إضافة جديدة لأنني لم أكن أعلم أن أهل نجد يعرفون آنذاك الكثير عن الأمراض بمسمياتها العلمية الحديثة.. وأضاف معلومة أخرى عندما ذكر بأن (محبوب) قد فتح له مكتبة الأمير عبدالله فوجدها تحتوي أعمال عدة شعراء مشهورين كان من بينهم أبو العتاهية والمتنبي وأبو العلاء المعري، بالإضافة لديوان الحريري والحماسة، مع رسائل في الفقه ومذاهب الأئمة من مالكية وحنابلة، إضافة إلى بحوث جغرافية.
أما لويس بلي فقد زار الرياض في عهد الإمام فيصل بن تركي في زيارة رسمية، وقد اقترح عليه (محبوب) أن يظلوا خارج مدينة الرياض لأنهم يدخنون، وسكان الرياض يتضايقون من المدخنين علانية، وذكر بلي بأن الإمام فيصل قال له: (إن الرياض مدينة غريبة على الأجانب، وأنه لم يسمح لأحد من قبله بالدخول إليها. ويبدوا أن ما ذكره الرحالة بلي غير صحيح لأن بالجريف قد زار الرياض في عهد الإمام فيصل، واللافت للنظر حرص الإمام فيصل على جلب مضخات مائية بدلاً من آلة الدولاب الشائعة.
هذه الزيارات في تلك المراحل من تاريخ المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض، تعطي انطباعاً عماً كانت عليه الرياض في تلك الفترة، ولم أرد أن أورد ما تطرق إليه هؤلاء الرواد الثلاثة من وصف دقيق للعمران وأسباب المعيشة، داعياً القارئ الكريم الاطلاع عليها في ذلك الكتاب الشيق، ليعرف ما كانت عليه مدينة الرياض بالأمس، ما هي عليه الآن، والواقع أن مثل هذه الرحالات قد رسمت صورة لما كانت عليه الحال في ذلك الزمان، مع أنها في الواقع قد تضيف للقارئ الكريم كثيراً من المعلومات الجديدة، كما أن بها بعض الأسماء التي وردت غير أنني ربما لا أعرف عنها كثيراً، ولعل أحفاد هؤلاء يشاركون المعد لهذا الكتاب جهده في إيضاح بعض الحقائق عن آبائهم لتضاف إلى الطبعة القادمة. وسأكتفي بما أوردته عن تلك الحقبة متمنياً أن أتبعها بعجالات عن رحالة آخرين في الأعداد القادمة.