Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287

توجيهات للشباب: حق الدين
د. محمد بن سعد الشويعر

 

طفل اليوم، هو شاب الغد، وشباب الغد هم رجال المستقبل، الذين تعتمد عليهم الأمة، بعد الاعتماد على الله سبحانه، في تنظيم الأمور، وتسيير شؤون الحياة، وتحمل المسؤولية في التنظيم، والتزعم في الإدارة والعمل، مع بر الوالدين ولذا يجب الاهتمام به وأن يعودوا على الخصال الحميدة، ليأخذوها منهجا وسلوكا..

فكثير من الأمم على وجه الأرض، يرون تربية الشباب، من حيث بنية الجسم: تدريبا رياضيا،

... وبحثا عن الأمور المقومة للجسم بدنيا، بالتدريب واللياقة، واهتماما بالصحة ومقاومة الأمراض، إذ يرون أن تربية الشباب، يستند على هذه الأمور، التي ترصد الخطط والتنظيم، ويجرى الاستعداد لذلك: جهدا ذهنيا، ورصدا ماليا. لكن الإسلام بتعاليمه، ومنهجه في التربية، يركز على العقول، ويهتم بالأحاسيس التي تربطه بخالقه: عقيدة وعملا فقد اهتم بالشباب أكثر من تلك الأمم، فعليهم للوالدين حقوق، وللوالدين على الأبناء حقوق أيضا.

فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبابا، وأول من أسلم منهم في ريعان الصبا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. حيث وضع الإسلام - الذي جاء به، وبتعاليمه محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، أسسا هي قوام التربية، للفرد والمجتمع، الإسلامي لتصلحه وترعاه، وهي صالحة ومصلحة لكل شاب قبل أن يولد عناية ورعاية..

تبدأ من حيث اختيار الأبوين لحياتهما الزوجية، اختيارا كما قال عمر رضي الله عنه: (اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس) واستجابة لقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم وخضراء الدمن) وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء. وحسن تربية يقول الشافعي:

نعم الإله على العباد كثيرة

وأجلهن نجابة الأولاد

وحسن التربية لأن الولد سر أبيه، والبنت قدوة بأمها. المثل الدارج يقول عن حسن اختيار الزوجة: (إذا بغيت تضمنها فاسأل عن أمها) هي خصال يحسن الأخذ بها، قبل عقد الزوجية، الذي هو ميثاق مع الله، يجب الوفاء به من الطرفين، والنفع يعود على الشباب فإذا كان الشباب من الجنسين، ترعرعوا في عش إسلامي، من حيث المبدأ، وتفتحت أحاسيسهم، بين أبوين يهتمان بشعائر دينهم: عبادة ودعاء، وتفاهما وحسن أخلاق، تكونت - بعد توفيق الله - من حسن الاختيار.

فإن ما يتلو ذلك، فمن مهمة الأبوين الصالحين في أنفسهما، دورا في إصلاح وتنشئة الأولاد، حتى يكونوا مستعدين بأذهان متفتحة للقبول، ومن ثم تحمل المسؤولية، والقدوة الحسنة لغيرهم، عندما يختلطون بهم بعدما يكبروا.

وتعاليم الإسلام، لم تترك شيئا في مشارب الحياة، وعلاقات الناس فيما بينهم، إلا ورسمت أدبا جيدا في التعامل وحسن العشرة والمحادثة، والترابط {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}(83)سورة البقرة.

وغير ذلك فيما تستقيم به أحوالهم، وتقرب الألفة والمحبة، بين أفراد المجتمع، إذا حرصوا على تلك التعاليم وطبقوها عملا وتعاملا فيما بين الكبار، فإن الصغار سيأخذونها تقليدا وترغيبا، وعليها ينشأون.

وبالنسبة للشباب الذين نما عودهم، واتسعت مداركهم، يتكون لديهم عائد أكبر هو واجب عليهم بالتأثير في الآخرين، سواء محليا أو دوليا، عندما يرون منهم صفات تتوق إليها النفوس، وآدابا ذات أثر في القضاء على مشكلات اجتماعية عديدة، هي في الآخرين مستشرية، ولدى المسلمين الملتزمين بآداب الإسلام: تربية اجتماعية نادرة الوقوع.

لن الشاب الذي أصَّل فيه والداه، ثم المدرسة مثل هذه الخصال، ستصبح عنده وعندها، طبعا لا تكلف فيه.

فمن شب على شيء وتعوده شاب عليه، ولأن كثيرا من الأمم في أرض الله الواسعة، تشكو مشكلات، اتسعت دائرتها في بيئتهم، وقادتهم إلى الجريمة والقلق الاجتماعي، وجلبت لهم تأثيرات نفسية عديدة، ولم يجد الطب الحديث مع تقدمه لها حلا، ولا نظريات العلوم المختلفة، التي بذلوا جهدا وأبحاثا فيها، كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والأسس التربوية وغيرها التي وضعت وقعدت نظريات، يختلف تطبيقها عن نظرياتها، وتتباين أسسها عن المرتجى منها، بل إن كثيرا من علماء النفس، أصيبوا بالآثار النفسية، لأن القلوب غير مطمئنة بالإيمان، ولم تتشبع بتعاليم الدين وشرع الله.

وما ذلك إلا أن شيئا مهما، لم يأخذوه في الحسبان، وهو تمكين الإيمان بالقلوب، وترسيخ العلاقة بالله سبحانه: بالإخلاص وحسن التوكل على الله، وهذا ما يجب أن يمكن لدى الشباب، منذ حداثتهم، ليكون سلاحا يخوضون به في معترك الحياة، ويتصدون به كل معضلة: فهما وإدراكا.

ويحسن في هذه المسيرة مع الشباب إعطاء جرعات مع القدرة والاستطاعة، كما يعمل الطبيب مع المريض، بدون استقصاء أو توسع، وفق نظرة الإسلام الشاملة في اهتمامه ومحافظته على الفرد، ورعايته للمجتمع، حتى يصلح أفراده، ويؤثروا في غيرهم، ممن يتوقون لإيجاد مخرج، من حيرتهم وقلقهم، بإبانة الحلول التي لا تكلف فيها، ولا ترهق بالدراسة والأبحاث، لأن الدين يسر وينفتح بسماحته كل باب منغلق.. وتدخل تشريعاته بالأداء سويداء القلب للحديث: (يا بلال أرحنا بالصلاة).

واضرب لذلك بنموذج: فقد ورثت امرأة غربية، ثروة طائلة بعد وفاة والدها، وكانت تظن السعادة، في رفاهية المسكن والمركب والملبس، فاقتنت أفخر المراكب البرية والبحرية والجوية، ولبست أفخر وأغلى الأسعار في ملبسها، واختارت أجمل القصور بأحسن الأثاث، ثم تنقلت بأسفارها للأماكن التي يروج لها، كل هذا بحثا عن راحة النفس والسعادة، وطرد القلق والضجر ومع هذه لم تستطع تحقيق شيء من ذلك.

وحدثني من كان عارفا بالواقع: صدفة وفي أحد الفنادق الفاخرة، التقت بشاب مسلم، وحصل التعارف والالتقاء وقت الطعام، في مطعم الفندق، وجر الحديث بعضه بعضا، وأوضحت حالها وأن المال لم يحقق لها ما تريد من الراحة والسعادة.

فبدأ هذا الشاب، يعرفها بالإسلام، ويعطيها نماذج من بعض المواقف الإسلامية، ووضع الأسرة في الإسلام، والتربية الأسرية، وشيئا فشيئا، بدأت تزداد رغبتها لمعرفة هذا الدين.. فافترقا وكل منهما أخذ هاتف الآخر، وافترقا كما يفترق الغرباء.

وبعد سنة رن الهاتف عند هذا الشاب، وإذا بالطرف الآخر صوت نسائي تشكره على تلك الجلسات، وتعرف بنفسها له، وتقول: لقد وجدت الآن طعم السعادة، إذ أسلمت ووفقت بمركز إسلامي فيه نساء، استفدت منهن تأصيلا لما بيننا من حديث، وقد بحثن لي عن شاب مسلم في هذا المركز، عارف بأمور دينه جيدا، فاقترنت به والحمد لله على ذلك.

هذه الحادثة تذكرني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا رسولا) كما يرتبط بهذا ما روي عن إبراهيم بن الأدهم الزاهد الورع الذي قيل بأنه من أبناء ملوك الفرس، فزهد في ذلك وأسلم وأخلص في إسلامه ويعبر عن هذا بقوله: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من راحة بال ونعيم، لجالدونا عليه بالسيوف).

ذلك أن تعاليم الإسلام، كما جاء في هذه الآية: {ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} ( 89)سورة النحل فهي كاملة في توجهها، عالية القدر في أدبها، جيدة الأثر في تربيتها، تتلاءم مع كل عصر، وتصلح لأي بيئة، وتقضي على كل مشكلة قد تعترض.. وهذا الأثر من تعاليم الإسلام، هو ما يجب تسليحهم به منذ الصغر، وتثبيته علما نافعا في قلوبهم، حتى يفيدهم في أنفسهم، ويعينهم مع الآخرين للتأثير، بدل أن يكونوا مؤثرا فيهم.

وسنرى - بإذن الله -، نماذج لهذا الأثر، مقرونا بالتوجيه التشريعي، الذي لا يقبل الجدل، ولا يعتريه قصور، أو تصادم مع أي معضلة، من معضلات الحياة، بل يفتح الباب واسعا للحلول، والقضاء على المشكلات المعترضة، بالمفهوم الصحيح بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لترتاح النفوس، وتستسلم الهواجس، بالقضاء على أي مؤثر قد يطرأ.

فالقلق يعالجه الإسلام، بقوة الإيمان، والجشع وحب الأثرة يلتمس علاجهما بما في صيدلية الإسلام، من دعوة للقناعة وتمكين التقوى من القلب، وما جاء في الحديث من تحريم للغش والكذب، ومعالجة كثير من الأمراض: بالدعاء والصدق مع الله ذلك.

وهكذا نجد الإسلام: يصف الدواء الناجح أثره، لأي مرض من الأمراض الاجتماعية، والمصائب التي تطرأ {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156)سورة البقرة، ويقول: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (45)سورة البقرة.

وقد أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية، قبل علماء النفس وعلماء الاجتماع، وقبل توسع الصحة النفسية بأجهزتها ومستشفياتها وعقاقيرها، بقرون متطاولة لذلك بما جاء في كتابه: مرض القلوب وشفاؤها، بعلاجات مستمدة من تربية دين الله واهتمام تعليماته، بوضع حلول وعلاجات، لكل معضلة تمر بالفرد في مجتمعه، لتعيينه على التغلب عليها، بما يهون مصابها، ويخفف الألم، وسمو تعاليم هذا الدين، فيها ردود على شبهات المغرضين، فكريا وأدبيا ودينيا.

وهذا من حق الدين عليهم، الذي يجب تعميق جذوره، بالوعي الحقيقي، في تربية الشباب مع حسن توجيههم.

مقتل الفيل

يقول التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة، بالسند إلى الشيخ يذكرونه بالثقة، ومعرفة البحر، وأنه دخل الهند والصين، قال: كنت ببعض بلاد الهند، وقد خرج على ملكها خارجي، فأنفر إليه الجيوش، فطلب الأمان فأمنه، فسار ليدخل إلى بلاد الملك، فلما قرب أخرج الملك جيشا لتلقيه، وخرجت العامة تنظر دخوله، فخرجت معهم.

فلما بعدنا في الصحراء، وقف الناس ينتظرون طلوع الرجل، وهو راجل في عدة من رجاله، وعليه ثوب حرير ومئزر، وفي وسطه مدية معوجة الرأس، وهي من سلاح الهند، وتسمى عندهم: حزى.

فتلقوه بالإكرام، ومشوا معه، حتى انتهى إلى فيلة عظيمة، قد أخرجت للزينة، وعليها الفيّالون، وفيها فيل عظيم، يختصه الملك لنفسه، ويركبه في بعض الأوقات، فقال له الفيال، تنح عن طريق فيل الملك، وذلك لما قرب منه، فسكت، فأعاد الفيال عليه القول، فسكت، فقال: يا هذا احذر على نفسك، وتنح عن طريق فيل الملك، فقال له الخارجي: قل لفيل الملك يتنحى عن طريقي.

فغضب الفيال، وأغرى الفيال الفيل بكلام كلمه به، فغضب الفيل، وعمد إلى الخارجي، فلف خرطومه عليه، فقبض الخارجي بيده على خرطوم الفيل.

وشاله الفيل إشالة عظيمة والناس يرون، وأنا فيهم وخبط به الأرض، فإذا هو قد حصل عليها مستويا على قدميه، منتصبا قابضا على الخرطوم.

وسقط الفيل كالجبل العظيم ميتا، لأن قبضه على الخرطوم، تلك المدة، منعه من التنفس فقتله.

قال: فوكل به، وحمل إلى الملك، وحدث بالصورة، فأمر بقتله، فاجتمع القحاب وهن الناس الفواجر، يفعلن ذلك بالهند ظاهرا، عند البدّ.. معبد الهنود، معرفة عن بوذا..، تقربا إلى الله بذلك عندهم.

قال: وهن العدول هناك، يشهدن في الحقوق، ويقمن الشهادة، فيقطع بها حاكمهم في سائر الأمور، وعندهم إنهن لما كن يبذلن أنفسهن، عند البدّ بغير أجر، صرن في حكم الزهاد والعباد.

فقلن القحاب للملك، يجب أن تستبقى مثل هذا الرجل فلا يقتل، فإن فيه جمالا للملك، ويقال: إن للملك خادما قتل العظيم بقوته وحيلته، من غير سلاح.

فعفا عنه الملك، وخلع عليه، واستخدمه.

(الفرج بعد الشدة ج4 ص150 - 151).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد