كتبها: عبدالله بن بسّام البسيمي (*)
|
|
هو حمد بن عبدالعزيز بن محمد بن حمد بن عبدالله بن عمر، هكذا تسلسل اسمه من إملائه، وآل عمر موجودون في كل من بلدة أثيثية وأشيقر ومرات.
|
ولد المترجم له في بلدة أثيثية سنة 1332هـ، بحسب ما أعرفه عنه،(1) عاش في كنف أسرته التي عرفت بالتدين والصلاح، والسعي في طلب لقمة العيش الحلال.
|
|
يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
|
1- شارك وهو في سن الشباب في جيش الملك عبدالعزيز في غزوة الدبدبة سنة 1348هـ، وقد سجلت منه تفاصيل هذه الغزوة في شريط بصوته، إذ كان شاهد عيان فيها.
|
2- عمل مؤذناً للمسجد الجامع الوحيد في بلدة أثيثية مدة طويلة تجاوزت خمسة وأربعين عاماً، وكان خلالها دائم التبكير للمسجد خاصة قبل الفجر، حيث يصلي ما كتب الله له من قيام الليل، ومن خلال معرفتي به فإنه ينام بعد صلاة العشاء مباشرة، ويكره السهر بعدها.
|
3- عمل وكيلاً على الأوقاف الموقوفة لإفطار الصّائمين في شهر رمضان، وغيرها من الأوقاف في بلدة أثيثية لأكثر من خمسة وأربعين عاماً، وفي آخر سني حياته قدّم اعتذاره عن الاستمرار في الوكالة على هذه الأوقاف لكبر سنه. وكان طيلة توليه الوكالة يتابع البساتين والأراضي الموقوفة بجميع ما يلزمها من المغارسة أو المزارعة عليها، ومنع أي تعدّ قد يحصل عليها، وحفظ نتاجها، وإخراجه في مصارفه التي نصّ عليها الموقفين.
|
4- كان أميناً وموثوقاً به في تعامله لذلك صارت بعض الأسر التي هاجرت من أثيثية أو لهم أملاك فيها يوكلونه على متابعة أملاكهم بجزء من ريعها، سواء كانت بساتين نخيل أو غيرها، ومن ثمّ يرسل ريعها أو مبالغها المالية لهم. ومن تلك الأسر السنعوسي والبواردي وغيرهم، كما أن البعض يوكله في استخلاص حقوق لهم، أو متابعة قضية من القضايا، أو إنهاء معاملات ونحوها.
|
5- كان من أوائل من ركّب المكائن الآلية على الآبار في أثيثية في السبعينات الهجرية من القرن المنصرم، وكان ذلك تقريباً سنة 1378هـ، وقبل ذلك كانوا يستخرجون الماء من الآبار في أثيثية بالطرق التقليدية بواسطة السّواني.
|
6- كان لنشأته في وسط ريفي يمتهن أهله أعمال الفلاحة - وهي من أكثر الأعمال التي تمارسها الأسر في منطقة نجد ذلك الوقت - دور في اتجاه المترجم له إلى ذلك، فهو يعد من أشهر المزارعين في بلدته، فمنذ شبابه كان يستأجر رجالاً للعمل معه في الفلاحة، ولم يتركها أبداً حتى قبيل وفاته، بل يصح أن يقال إنه هو المزارع الوحيد في بلدته أثيثية الذي بقي مزاولاً لها دون انقطاع، بل وانفرد بها في سنوات الطفرة عندما هجر أكثر الأهالي البلدة، ومن بقي فيها ترك مزاولتها حيث انصرفوا للوظائف ونحوها، ولم يعودوا إلى مزاولتها مرة أخرى إلا في فترة ليست بعيدة.
|
كما أن المترجم له زاول حرفة البناء بالطين خاصة بعد أن تقل أعمال الفلاحة، فقد أخبرني المترجم له أنه كان وكيلاً في هدم وإعادة بناء مسجد المريقب بالرياض، بأمر الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وكانت له معرفة به.
|
7- يسعى دائماً في عمل الخير خاصة في بلدته أثيثية، من ذلك سعيه في بناء المسجد الجامع الوحيد فيها في المخطط الجديد، حيث تبرع بجزء كبير من أرض المسجد، وسعى لدى أهل الخير لتمويل بنائه حتى تمّ واكتمل.
|
ومن ذلك أيضاً سعيه في عمل سور لمقبرة أثيثية حيث جمع بعض التبرعات من أهل الخير لهذا الغرض، واتفق مع البلدية لتوفير الأيدي العاملة لإقامته، وكان يعمل مراقباً للبلدية في بلدة أثيثية.
|
8- صار إماماً في المسجد الجامع القديم المبني من الطين في بلدة أثيثية مدة أربع سنوات، يصلي بهم الفروض فقط، أما الجمعة فيخطب ويصلي بهم الشيخ عبدالله اللهيبي رحمه الله، وذلك قبل أن يهجره الأهالي بعد انتقالهم للمخطط الجديد.
|
9- كان رحمه الله يكتنز في ذاكرته كثيراً من القصص والأشعار والأخبار، سواء عن بلدته أثيثية أو غيرها، كما أن لديه كثيراً من المواقف والقصص التي حصلت له شخصياً، إضافة إلى ما عاصره ووقف عليه بنفسه، فهو رجل عمّر طويلاً وعاصر أجيالاً وأزمنة مختلفة، عركته الحياة بحلوها ومرّها، وله معارف كثر، ومن مجالستي له فإنه يورد بعض القصص أكثر من مرّة في أوقات متباعدة، وفي كل مرّة يوردها فيها يأتي بالتفاصيل نفسها التي أتى بها في المرّات السابقة دون أن يخلّ بشيء، وقد سجلت منه معلومات قيّمة عن تاريخ بلدة أثيثية.
|
10- كان مضيافاً كريماً، باب مجلسه مفتوح للضيوف دائماً، فقد عرف واشتهر بالكرم فلا يكاد يأتي ضيف إلى بلدته أثيثية إلا ويضيّفه، ويلح عليه في ذلك، فلا يفلت ضيف من دخول مجلسه إلا ما قلّ، وخصّص وقت ما بين العشائين من كل يوم طوال أيّام السنة، وما بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع لتناول القهوة عنده، ومضى على هذه العادة سنوات طويلة، حتى أنه صار مقصداً لكثير من الناس في هذين الوقتين من أهالي بلدته ومن معارفه وغيرهم، ولم يترك مجلسه واستقبال ضيوفه حتى مع شدة وطأة المرض عليه وهو طريح الفراش، ويكفيه فخراً في ذلك أنه توفي في مجلسه وهو مستقبل للضيوف، فقد كان حاضراً عنده في مجلسه وقت وفاته رئيس مركز بلدة غسلة بالقرائن الأستاذ الفاضل علي بن عبدالرحمن العمّار الخالدي، وقد حدثني بذلك شخصياً، وبوفاة المترجم له حدثت ثلمة في بلدة أثيثية يصعب سدّها.
|
11- تزوج عدداً من النساء، وقد رزق من زوجتيه حصّة بنت محمد الفايز (ت1407هـ)، وابنة عمه حصّة بنت عبدالله العمر (ت1423هـ) عدداً من الأولاد الذكور والإناث، أما الأولاد الذكور فماتوا صغاراً، ولم يعش له إلا ابنه الوحيد عمر الذي أصيب به أيضاً إذ توفي شاباً -تجاوز من العمر عشرين عاماً- وذلك بسبب حادث مروري سنة 1411هـ، رحمه الله تعالى، وكان والده المترجم له صابراً محتسباً، كما أنّ مترجمنا فقد زوجتيه وهو صابر محتسب.
|
12- كان ينظم بعض القصائد والأشعار ولكنه مقل في ذلك، وقد ضاعت أكثر قصائده لعدم اهتمامه بها، ومما وقفت عليه مرثيته في زوجته وابنة عمه التي قال فيها:(2)
|
لي بنت عمّ جعلها في الجنانِ |
الله ياقاها عن الشر والنار |
طويلة العشرة معي من زماني |
تستر على وجهي لا جبت خطّار |
قلبي يحب الترف صافي الثماني |
الله يحلل زوجتي حل الأبرار |
راحوا بها يمّت سهيل اليماني |
وأقفوا بها للمقبرة شرق ويسار(3) |
الموت ما خلا ولا مودماني |
لو (كان) شاور ما أخذ بنت الأخيار |
13- كان جمّ التواضع، لطيف المعشر، يحترم الكبير ويعطف على الصغير، سمحاً في تعامله، محباً للخير وأهله، حريصاً على إحقاق الحق سواء له أو عليه، وقلبه خال من الحسد والحقد، وصولاً للرحم، ويحرص دائماً على زيارة المرضى، والصلاة على الجنائز، وتقديم التعازي لذوي المتوفين.
|
|
أنعم الله عليه بأن ظل متمتعاً بجميع حواسه، ومعتمداً على نفسه في المشي وغيره حتى قبيل وفاته بأشهر قليلة، ثمّ تكالبت عليه الأمراض، مع إرهاق الشيخوخة وأقعده المرض وصار طريح الفراش، ووافته المنية في مجلس منزله ببلدة أثيثية بعد مغرب يوم الأحد الموافق 28-2-1428ه، وله من العمر ست وتسعون سنة، وصلي عليه من الغد عصر يوم الاثنين 29-2-1428ه في جامع بلدة أثيثية الذي كان مؤذناً فيه، وقد غصّ المسجد بالمصلين، ودفن في مقبرة أثيثية، رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ورفع درجته في عليين، هو وجميع موتانا وموتى المسلمين.
|
(*) الوشم - أشيقر: 11964 ص . ب 6075 |
(1) أما في حفيظة النفوس الخاصة به فإن تاريخ مولده سنة 1327هـ. |
(2) زودني بالقصيدة مشكوراً سبطه الأستاذ عبدالله بن سليمان المشهدي. |
(3) يقصد مقبرة أثيثية. |
|