حينما تحرك الأقدار البشر وتدور الأحداث في أعنة القدر بما لا تشتهي سفن الرضى تتخالف الآراء وتتشرذم الصفوف وتختلف الواجهات وتتباين المبادئ تطفو فقاعات وتتلاشى أخرى؛ حينها يعتلي فوق سطح كل هذا التلاطم شخصيات وهبها الله تعالى الرشد إبان الفتن،
لا تزيدها المحن إلا رشدا وحكمة وصلابة وقوة وترتقي بهم الصعاب فوق جبل وتده ثابت على أرض صلبة من الخلق الرزين إذا تمكنوا عم خيرهم وإذا عجزا وكفوا شرهم وإذا قدروا عفوا وإذا أخطأوا اعتذروا، لا تراهم إلا مزنا نافعا صيبا يروي الظمأ بعد طول أعوام العطش، ظلالهم وارفة فهم كالواحة في الأرض المتصحرة القاحلة سمتهم الوقار وديدنهم النفع والإصلاح، في المحن هم مصابيح رشد يستضاء بنور حكمتهم إلى سبيل النجاة، وإذا تكلموا ارتقى بهم الكلام إلى المستوى الذي هم عليه من كريم الأخلاق وإذا صمتوا كانت أفعالهم أبلغ من كل قواميس الكلام بكل اللغات تلتف حولهم القلوب قبل الأجساد وتتطلع إلى آرائهم العقول وتتبعهم الجموع ثقة برشد توجهاتهم نحو الصواب، ومن هؤلاء الذين تلتحم بهم كلمة الناس وتلتف حولهم العقول والقلوب والأجساد وتتبع خطاهم الجموع ويضرب لتوجهاتهم في السياسات الدولية والعالمية حساب قيادات الدولة السعودية فقد منح الله تعالى الدولة السعودية ثقلا قياديا يزداد ثقله في ميزان المعادلات الدولية مما أوتيت من رجاحة عقل حكامها وسمو أخلاقهم وترفعهم عن السقوط في هاوية ترهات الأمور وسفاسفها، فالارتقاء سمة تميزت بها القيادات السعودية، فهم كما هي النخلة في بلادهم شموخ يعتلي فوق سطح الأرض إن قذفت بحجر لاتعطي إلا أطيب الثمر ولا يضرها هبوب ذرات من كثيب الرمال المتطايرة من هنا وهناك، وفي أفق الإعصار تظل في شموخها ثابتة وثبوت قيادتنا له في أرض الفضيلة جذور من عروق شهامة العرب وكرامتهم التي شهد بها التاريخ وزادها الإسلام نصاعة وبريقا.
والإسلام دين فرض الله تعالى هيمنته بالارتقاء والعلو والارتفاع تنزها عن السقوط في صغائر الأمور وسفاسفها، رفع الله به عروبة العرب عزا بعد وهن دهرا إبان دهر إلى أن فرطوا بالتعايش به شريعة ومنهاجا وهذا العز تمثل في واقعنا المعاصر اليوم بما أتى الله تعالى به القيادات السعودية علوا ورفعة وارتقاء يوم توشحت به سمتا وخلقا ومنهجا وسطيا تتعايش به إعماراً للأرض بالخير والنفع والفائدة حيث جعلهم الله تعالى من الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه بحسن القيادة وحسن التصرف في صور متباينة من الإقبال والإحجام وفق ما تقضيه المواقف من حكمة ورشد لاحتوائها لا يسعون إلا لإحقاق الحق ولو كلفهم ذلك النفس والولد والمال، وكل منصف وصاحب عقل سليم يعلم علم اليقين أن القيادات السعودية منذ بدء توحيد الدولة السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لم تألو جهدا ولم تدخر وسعا في سبيل خدمة القضايا العادلة عربيا وإسلاميا ودوليا بالمال وبالموقف السياسي والاقتصادي وبالنفس إذا تتطلب الأمر ذلك ولعل معركة (غور الصافي) والتي اختلط فيها الدم السعودي مع تراب الأرض المباركة رمزا باقيا على مدى صدق الولاء السعودي للقضايا العادلة، وما بين فنية وأخرى إلا ويعرك القدر الكيان السعودي بفتن وابتلاءات ومصائب تموج يمنة ويسرى حول قضية ما فتلتفت الأعين وتتهافت القلوب وتتجه النفوس ببوصلة التجربة نحو القيادة السعودية لتنظر ما ينجم عنهم من سلوك وتصرف.
ولله الحكمة والمنة؛ فما من محك ابتلاء إلا وتظهر فيه الدولة السعودية بدور الرجل الحكيم والظل الوارف والسند الأمين واليد الحانية والصدر الواسع والقلب الكبير، وما كان ذلك ليكون لولا الارتقاء السلوكي والارتفاع في الهمة الأخلاقية والتي تتعامل بها القيادات السعودية مع المصاعب والفتن، وهذا النوع من الرقي هو الذي ينبغي أن تلتزم به الشخصية العربية المسلمة انتهاجا لمنهج العقيدة الإسلامية أولا ثم لشرف العروبة ثانيا حتى تكون هذه الشخصية ذات تأثير وفاعلية في المواقف والأحداث من حولها.
يقول أحد الرحالة الأوربيين عن شخصية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه (الملك عبدالعزيز رجل يرتقي بك في سلوكه نحو شهامة العرب الأصيلة، صادق، ودود، كريم أحب وطنه ودينه وتفانى في خدمة وطنه والولاء لدينه، ذو هيبة وحضور قوي وتأثيره كاريزمي يسيطر على النفوس فوق ما يتصوره الذهن، يمتلك أحاسيسك ويسيطر عليها بصدقه وبساطته وبسالته وشجاعته دون أن تشعر حتى جعل من أعدائه أتباعه) من هذه الشخصية رسمت الخطوط الإستراتيجية لسياسة الدولة السعودية ومنها انتهج أبنائه طيب الله تعالى ثراه ديدنه ومارسوا جميعهم المنهج الذي رسمه والدهم بعد كفاحه وصدقه وشهامته.
إن الارتقاء والسمو في التعامل مع الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم والحدث الجبار والبسيط في آن واحد والترفع عن صغار الأمور وسفاسفها، وقد قال أحد الرحالة الأوروبيين (تعظم شخصية الإنسان ويرتقي شأنه بحجم عظمة الأمور التي ينشغل بها والملك عبدالعزيز ارتقى إلى العظمة التي هو عليها بأن جعل من الصحراء التي أهملها العالم المتقدم إلى نقطة ارتكاز ومحور اهتمام العالم أجمع).
لقد كان ولا زال الشغل الشاغل للقيادات السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حتى يومنا هذا هو الارتقاء بمكانة العرب والمسلمين ورأب صدعهم وسد ثغراتهم، ولم شملهم وتوحيد كلمتهم وخدمة قضاياهم شعوبا وقادة، أفراداً وجماعات، مؤسسات ودول كل ذلك، بل وأكثر تسعى القيادة السعودية أن ترسم بريقه بريشة العدالة وذلك من خلال مناصرتها للقضايا العادلة.. ولعل أهم قضية تؤرق السلام العالمي والعدالة الدولية هي القضية الفلسطينية التي أثبتت تجاهها الجهود السعودية المناصرة التامة المؤازرة الخالصة لإحقاق الحق وإثباته لأهله المنكوبين مهما كلفه ذلك من حمل وتبعات.
فمنذ انبثاق فجر التوحيد إلى يومنا هذا يجد المتتبع للأحداث أن القيادة السعودية المتوالية على كرسي الحكم السعودي لم تغفل يوما واحدا عن القضية الفلسطينية، بل إن السعودية جندت كل ثقلها السياسي والشعبي والاقتصادي والإسلامي في سبيل نصرة القضية الفلسطينية ومناصرة شعبها، والمواقف المسجلة بالوثائق المؤرخة بأقلام وأفواه الفلسطينيين أنفسهم كثيرة منها على سبيل المثال ما كتبه السيد ياسر عرفات رحمه الله في برقيته التي بعث بها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه بتاريخ 5-12-1410هـ يقول في بعض سطورها (باسم شعبنا العربي الفلسطيني وباسم إخواني أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة تحرير فلسطين وباسمي شخصيا أود أن أعرب لكم عن شكرنا العميق وتقديرنا البالغ لتبرعاتكم لصمود شعبنا الفلسطيني إنكم تجسدون دوما مواقف الدعم والتأييد الثابتة والمتواصلة والتي تقفها المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى جانب نضال شعب فلسطين) وبتاريخ 12-3-1402هـ (صرح أبو إياد بحديث لصحيفة المدينة قال فيه المملكة العربية السعودية ليست دولة عادية إنما هي بالنسبة لنا دولة ذات وزن سياسي تجاه قضيتنا وهذا الدور يعد من أفضل المواقف العربية).
وبتاريخ 21-5-1409هـ (صرح فاروق قدومي بحديث عن دور المملكة العربية السعودية قائلا إن المملكة تولي القضية الفلسطينية اهتماما خاصا ليس على مستوى الدعم المادي فقط بل السياسي أيضا لدفع القضية الفلسطينية نحو الأمام).
وفي حديث بثته وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 20-1-1410هـ يقول رئيس الصندوق القومي الفلسطيني السيد جويد الغصن (إن المملكة العربية السعودية تقع في المرتبة الأولى بين دول العالم التي تقدم الدعم للشعب الفلسطيني ولازال الدعم السعودي متواصلا) هذا من حيث تصريحات المسؤولين عن الشعب الفلسطيني. أما من حيث تصريحات المسؤولين على الصعيد الدولي نجد أن التصريحات تفوق ذلك وأكثر ونكتفي في هذا المقام بما صرح به السيد جورجيا كوملي المفوض العام لوكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بتاريخ 16-3- 1407هـ في صحيفة الجزيرة؛ حيث قال (إن المملكة العربية السعودية أكبر دولة عربية وإسلامية تقدم تبرعاتها لوكالة الأونروا) وبتاريخ 13-3-1409هـ صدر التقرير السنوي للمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين أشار فيه إلى أن المملكة العربية السعودية تتصدر قائمة الدول في تقديم العون المالي لوكالة الأونروا، ولم يقتصر الاعتراف بجهود الدولة السعودية تجاه القضية الفلسطينية على المسؤولين الفلسطينيين والدوليين فحسب ولكن يلتمس ذلك في الأوساط الشعبية الفلسطينية داخلياً وخارجياً.
ولعل أحداث نكبة غزة لعام 2009م أثارت استشعار الكثير من الفلسطينيين لأهمية دور المملكة في إغاثة الشعب الفلسطيني وإعادة إعمار غزة، وليس هذا الإحساس وليد لحظة الحدث إنما هو منذ عهد سابق فقد استشعر الفلسطينيون دور المملكة تجاههم فعلى سبيل المثال في عام 1409هـ أرسلت جموع المهاجرين الفلسطينيين من مخيمات اللاجئين في الأردن ببرقية للقيادة السعودية تتجلى فيها مشاعر الشكر والتقدير للدور السعودي الريادي في خدمة القضية الفلسطينية، ومما جاء في هذه البرقية (إن مواقف المملكة العربية السعودية تجاه شعب فلسطين لن تنسى، وهذه ليست المرة الأولى التي تقفونها تجاه شعب فلسطين. إننا لن ننسى عام 76م حينما حصلت مجازر تل الزعتر كان موقفكم حينها عاجلاً وساهم في وقف المجازر إن هذا الموقف المثالي ليس جديدا على المملكة العربية السعودية، بل هذه هي السياسة التي رعاها الملك عبدالعزيز آل سعود) هذا قليل من كثير من التصريحات الموثقة بتواريخها وأيامها على صفحات الزمن وإن كان الإنسان ينسى فذاكرة التاريخ لا تنسى المواقف والأحداث أبداً وما يسجل على سطورها من أفعال.
واليوم لا زالت المملكة بقيادة قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعضده الأيمن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد -حفظهما الله- تقف ذات الموقف الذي وقفه يوماً ما الملك المؤسس -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه ملوك السعودية -طيب الله ثراهم أجمعين-، وهذا الموقف هو الثابت على استمرارية الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني الشقيق، والمملكة حينما تبنت هذا الدور تبنته من منطلق ديني وواجب عقائدي أولاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
وثانياً تبنته من خلال السياسة السعودية التي رسمها الراعي الأول للدولة السعودية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
وكما هو معروف دأب الدولة السعودية دائماً في إنجازاتها يتم العمل بهدوء ويسر وسلاسة وصمت وحكمة سواء تجاه القضية الفلسطينية أو ما سواها من مستجدات القضايا العربية والإسلامية ومدلهمات الكوارث والفتن تجاه العرب والمسلمين أجمعين، بل نجد دوماً الدولة السعودية دائماً في طليعة الصدارة لمواجهة النكبات بسلاح الحكمة ولغة العقل وحسن التصرف، فقد أثبتت الدولة السعودية مع مرور محكات الزمن ومدلهمات القدر أنها الحصن الحصين والدعم المتين الذي يقف في وجه هذه الصعاب ودورها دائماً في سد الثغرات وتسديد وجهات النظر وتقريبها.
إن المملكة اليوم، جهل من جهل، وتجاهل من تجاهل، هي بحق معقل الإسلام وقلعته الحصينة أخذت على عاتقها دوراً جباراً لنشر قيمه وتعاليمه الوسطية السمحاء ودورها كبير ودرعها متين في صد الهجمات والوقوف لمواجهة الشبهات ودحض الافتراءات والمقاربة بين وجهات النظر في صراع الحضارات والديانات، وتسعى المملكة لتكون دائماً اليد الحانية على المنكوب والرادعة للمعتدي كالشمس متوسطة رائدة في سماء الجد لبذل الخير والكرم والجود دون طلب جزاء ولا شكوراً ولا إطناب ولا إطراء.
وها نحن اليوم نرى السعودية تبرز في أسمى حليها وأجل معاني الفضيلة في سياستها متضحاً ذلك من خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الاقتصادية العربية المبرمة في دولة الكويت الشقيقة حيث أبرز حديثه الواضح وعباراته القوية ولغته السهلة نصاعة الارتقاء الإنساني الذي تنطوي عليه شهامة الفارس وأنفه الكريم حيث أشار في كلمته للعرب أجمعين بأن يرتقوا إلى أسمى معاني التسامح وأن يرتفعوا إلى مرتبة ذوي الحظ العظيم بدفع السيئة بالحسنة قال الله تعالى {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وكأنه يقول لنا جميعاً: إلى هنا ولنقف ولنعد إلى المنهج الذي ننتهل منه السماحة والتصافي ليتخذ كل عربي من أخيه موقف يوسف عليه الصلاة والسلام؛ حينما قال لإخوته { قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أو موقف رسول الله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حينما قال لقومه يوم الفتح (أذهبوا فأنتم الطلقاء) هذه الأخلاق السامية في سماء الفضيلة والتي تحرص القيادة السعودية على أن تسد بها ثغرات صفنا العربي وينبغي لكل واحد منا أن يقف معها وقفة إعادة حساب مع الذات فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
لقد استطاع الملك عبدالله -يحفظه الله- أن يمسك بيد كل منا ويضعها على أسباب العلاج والالتفات إلى الإنجاز بما يعود بالنفع علينا أجمعين، واستطاع كذلك أن يكسب احترام العالمين العربي والإسلامي، وكذلك المجتمع الدولي على كافة الأصعدة بحنكة السياسية المعتدلة وبعيدة النظر في المصلحة العامة للعرب والمسلمين وترفض الضرر بمصالح الآخرين.. لذا فمن منبر الإعلام يجب على كل صاحب رؤية إعلامية مقروءة أو مسموعة أو منظورة عليه أن يضع نقاط الحقائق على حروفها ليعطي الأجيال القادمة صورة صادقة للحق تعطي كل ذي حق حقه.
وأعترف بأنني لست من أرباب القلم الذين يشهد لهم البيان بالبلاغة ليستنبط قلمي صفحات الحقيقة في سجل الزمان، ولكن الواجب الديني، ومن ثم الواجب الوطني يحتمان عليّ وعلى كل مسلم أنَّى كان أن نضع الحق في بروازه دون زيادة أو نقصان؛ لذا فإن قلمي يؤمن ويصدق إلى حد الاعتقاد والجزم بأن القيادة السعودية المتدرجة على كرسي الحكم السعودي منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- إلى يومنا هذا، لعهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- قيادة يشهد لها التاريخ بمصداقية الانتماء والولاء لقضايا الأمتين العربية والإسلامية، وليس ثمة وقفة صدق في الدفاع عن حقوق الشرعية الإسلامية والعربية مثلما تقف قيادة المملكة العربية السعودية فهي في واجهات الصراع المجند الأول للدفاع عن حقوق العرب والمسلمين والحرص على مصالحهم.. والله من وراء القصد.
* مدير عام الدفاع المدني