(الحاجة أم الاختراع) هكذا ورد في الأمثال، وقيل أيضاً: (من كانت له حيلة فليحتل)، هذان المثالان ينطبقان على فئة من البشر امتهنت مهنة لا تحتاج إلى شهادات دراسية، ولا خبرات عملية، وكثير منهم: إما غير صادقين، أو أنهم لم يسلكوا طرقاً أخرى من أجل أن يستغنوا عن تلك المهنة المريحة المربحة، هذه هي مهنة (التسول).
وكان (التسول) في السابق يكاد يكون محصوراً على الطلب في المسجد، حيث يقف الشخص ويبين للمصلين بعد الصلاة ما يمر به من ظروف صعبة، ثم يجلس آخر المسجد عند الباب، ويجمع ما يجود به المصلون، وأما المرأة فتجلس عند باب المسجد من الخارج، وتجمع ما يعطيها الناس، وعادة ما يكون معها طفل أو طفلان.
وفي الوقت الحاضر اتبع أرباب تلك المهنة، طرقاً عديدة، وأساليب كثيرة، في استقطاب الآخرين، إضافة للطريقة القديمة، ومن أمثلة ذلك:
* خلال الإجازة الصيفية، وفي إحدى محطات شمال المملكة على الطريق السريع، نزل رجل يحمل الجنسية العربية من سيارته الفارهة (الكشخة) والتي تحمل لوحات خليجية، وجاء طالباً المساعدة، من أجل ملء سيارته بالوقود، وإطعام عائلته، مما يبلغه بلده، ويشاء الله أن يُرى نفس الشخص وبسيارته السابقة في شهر رمضان المبارك في إحدى المحطات على طريق (الرياض - مكة)، ويأتي طالباً المساعدة وبنفس السبب لكي يصل إلى بلده، فكما يظهر أن مثل هذا يستغل ذروة حركة المسافرين، ففي الإجازة يتمركز على طريق الشمال، حيث السعوديون متجهون للشام وما بعدها، والعاملون العرب متجهون لبلدانهم، وفي رمضان حيث الناس متجهون إلى العمرة يتمركز في طريق مكة.
* وفي ميقات (السيل الكبير) أوقف أحدهم سيارته ومعه عائلته، وقد لبس إحرامه، فأفاد أنه أنهى عمرته بالأمس وسُرقت محفظته، فقيل له: أنهيت العمرة منذ الأمس، فلماذا رجعت للميقات وأنت محرم؟ فبُهت ذلك الشخص، ولم يتكلم وانطلق مسرعاً بسيارته، وهذا يظهر عليه (حديث خبرة) بمهنة التسول.
* كذلك ظاهرة (الليموزين المتسول)، حيث يتوقف الليموزين ومعه امرأتان، إحداهما كبيرة السن، تتحدث مع الشخص طلبا للمساعدة، والمرأة الأخرى صغيرة السن، وقد لبست النقاب، وهو يتكلم مع المرأة الكبيرة، وتكون المحصلة اليومية (الغلة) حسب نسبة معينة متفقا عليها مسبقاً، بين المرأتين وسائق الليموزين.
* ومن أخطرها عندما تنتهي من سحب النقود من (ماكينة الصراف الآلي) وتجد عند الباب رجلاً أو امرأة أو أكثر وقد انتصبوا واستعدوا لخروجك طلباً للمساعدة.
* وفي وقت الظهيرة، وتحت أشعة الشمس الحارقة ترى امرأة في الشارع عند الإشارة الضوئية، تقف تستجدي أصحاب السيارات الذين أوقفتهم الإشارة بإضاءتها الحمراء.
* وفي الأسواق الحمراء، أو بجوار المراكز التجارية الكبرى، عندما تهم بركوب سيارتك، يأتيك شخص يطلب منك المساعدة.
* وفي قاعات الأفراح، يأتي شخص ويوزع أوراقاً على مجموعة من الجالسين، وفي الورقة شرح لمعاناته، حيث لا يستطيع الشرح بصوت مسموع، ثم ينتظر بضع دقائق ويبدأ بجمع الأوراق، وبرفقتها ما تبرعوا به، ليذهب إلى مجموعة أخرى في نفس القاعة.
* وفي دولة عربية حضر شخص يطلب المساعدة بقوله: أنا أخوكم (قطري)، وقبل أن يكمل كان صاحبنا سريع البديهة (حيث رد الهجمة بهجمة مرتدة) بقوله: أنت قطري؟ حياك الله، أنا قطري مثلك، وعندي مشكلة أرجو أن تساعدني في حلها، فتلعثم الرجل، وأدار ظهره وذهب.
* وفي حادثة أخرى في الخارج، طلب أحدهم المساعدة من أجل شراء تذكرة ترجعه للمملكة، حيث انقطعت به السبل على حد قوله، فتمت الموافقة على طلبه، بشرط أن يذهب معه للمطار، ويشتري له التذكرة، ويركب الطائرة، فولى ذلك (المتسول) هارباً، ليبحث عن شخص جديد يعطيه مطلوبه دون شروط.
وعند الحديث عن (المتسولين) لا يقال إنهم كلهم كاذبون، ولكن (الطالح أفسد على الصالح)، فلم تعد الثقة موجودة بين السائل والمسؤول، وإلا فهناك أناس قد أجبرتهم ظروفهم الطارئة على سؤال الناس، ومن ذلك أحد الأشخاص كان قادما من دولة أوروبية، وكان طريق عودته عبر إحدى الدول العربية، فلما وصل إلى مطار الدولة العربية اكتشف أن هناك مشكلة في تذاكر السفر من ذلك المطار إلى المملكة، وأنه يجب عليه إصدار تذاكر جديدة، ولم يستطع توفير النقود المطلوبة، فأخذ يدور في المطار (كالمجنون) بحثاً عن مخرج، وأسعفه أحد موظفي المطار، فاشترى له التذاكر، وأعطاه رقم حسابه البنكي، فلما رجع صاحبنا للسعودية، قام بتحويل المبلغ إلى (صاحب الفزعة).
وبعد كل ما سبق.. يجب أن نتذكر بأن الإسلام دين التعاون والبذل والعطاء، وعلى المقتدر أن ينفق مما آتاه الله، شكراً لله تعالى على نعمه، ومساعدة للفقراء في مواجهة ظروفهم العصيبة، ولكي تتحقق المصلحة على الشخص أن يتحرى ويتثبت فيمن يعطي صدقته أو زكاة ماله، وله في ذلك طرق عديدة: إما إلى المؤسسات المسموح لها بالعمل الخيري، أو إعطائها من يثق به لإيصالها مستحقيها، وأفضل من ذلك أن يبحث المرء بنفسه ويتحرى عن المحتاجين، فيسلمها لهم بيده، مع العلم أن هناك أسرا وأفرادا محتاجين لم يطرقوا باب السؤال، وهؤلاء أولى بطرق بابهم ومساعدتهم.
aljndl@hotmail.com