يبحث عنها السجين والمدين وغيرهما كثير ممن أثقل كاهلهم السجن سواءً أكان سجن الديّن أم سجن العقوبة والتهذيب والإصلاح، ذلك السجن الذي يشتكي منه كل من دخله ولا يتوقف حتى يخرج منه فرحاً مستبشراً لمغادرته ومتأملاً أن لا يعود إليه مجدداً. لا أعتقد أن هناك من يظن أن ثمة سجناء خارج حدود السجن وأمام القضبان وليسوا خلفها. مصيبتهم أكبر ممن يقبعون خلف القضبان، فمن يقبع خلفها يستطيع معرفة متى وكيف يخرج، ومن يعاني من سجن الديّن يعلم متى ينتهي منه وكيف، حتى لو عانى من سداده، إلا أن سجين الحياة، سجين الحرية لا يعلم متى يخرج بل ولا كيف.
نحن في هذا الكون تعلمنا البدائل ولم نتعلم الحلول، تعلمنا المؤقت ولم نتعلم الأبد، تعلمنا الالتفاف ولم نتعلم الخروج المستقيم. تجدنا على امتداد العالم نعاني من سجن الحياة دون محاولة لإيجاد الوسيلة للخروج والطريق للحرية وكأننا أحجار شطرنج تحركنا أهواء الغير وأمزجتهم، فقرارنا ليس بأيدينا ومصيرنا ليس ملكنا وحريتنا ليست بقاموسنا، نشتكي واقعنا وننقم حالنا ونتعذر بأتفه الأسباب لتغطية عجزنا وإيجاد مخرج لسجننا. أليست الحياة بهذا المفهوم سجنٌ كبير؟ تشم فيه رائحة الحرية غير الممارسة وتشاهد الطرق المفتوحة المحرمة ولا تستطيع لها سبيلاً.
تقيدك أغلال كثيرة لا مجال لفكها، وتلف عنقك حبال كبيرة لا طريق لإزاحتها وتملأ جوانبك آلام لا وسيلة لعلاجها، فأنت رهين قيود إن اجتمعت أرهقت رأسك وأوجعت قلبك ولا مفر. وإن أتتك فراداً بعثت فيك نوازع التغيير غير المباح والخروج غير المستطاع ولا مفر.
تشعر أن ثمة من يرسم لك خارطة الطريق وثمة من يضع قدميك على أولها وثمة من يدفعك للسير قدماً عليها وثمة من يبني حولها جداراً نارياً، فلا أنت استطعت رسمها أو الخروج منها أو التوقف عن السير عليها، وإن حاولت الإقتراب من أطرافها فالويل لك من لهب جدارها ونار جوانبها فأين المفر.
تحاول أن تقنع ذاتك بما رُسم لك وتعيش ما قٌدر لك بيد أن شيطان التغيير يتحرك منبهاً تارةً وناهراً أحيان كثيرة، قم ودع عنك الاستسلام، قم واخرج منها لترى حرية الحياة وحياة الحرية، لتستمتع بما ترسمه أنت لا غيرك. إنه أحمق بحجم الحياة، إنه مجنون بلون النار لا يدع فرصة إلا ويحثك فيها على المحاولة، ولكن هيهات فجدار نارها عال ولهيب أرضها حارق. فأين المفر.
عليك أن تعود، تعود لسجنها مطأطأ رأسك، خانعاً خاضعاً لأوامرها، إنها طبيعة السجن الكبير في مختلف دول العالم الذي لا يرحم ولا يعطف ولا يُرجى منه أمل.
عليك أن تقنع بلباس العيش الذي خيط لك ولا تفاخر كثيراً ولا ترفع رأسك عالياً فأنت مسيّر بأهواء غيرك وقيود إنسانيتك وأغلال مبادئك.
dr.aobaid@gmail.com