لم نعتد من مجلس الأمن الدولي أن يكون عادلاً في تحمُّل مسؤولياته تجاه قضايا العرب، بل ما اعتدناه منه هو الظلم والجور والوقوف إلى جانب إسرائيل على حساب قضايا العرب العادلة؛ لأنه واقع تحت هيمنة أمريكا، وأمريكا لا تريد إغضاب إسرائيل. فكل ما اعتدناه من مجلس الأمن عندما يكون الموقف السياسي أو العسكري لصالح إسرائيل هو التباطؤ، الظلم، التأجيل، المواقف السياسية المنحازة، التعجيز.. وكلما كان الأمر في غير صالحها في مواقفها على طاولات السياسة أو في ميادين الحرب نشاهد مجلس الأمن يسارع في اجتماعاته ويصدر قراراته ويضغط على جميع الدول لتنفذ القرار، وعلى أعضائه الكبار الدائمين أن يراقبوا الموقف ويتابعوا تنفيذه، ولعل أقرب مثال ما حدث في لبنان عام 2006م عندما تحرّج الموقف على إسرائيل، وشعرت أمريكا بأن ابنتها المدللة إسرائيل لن تقوى على كسر شوكة حزب الله برغم شحنات الأسلحة المرسلة لإسرائيل عجلت بإصدار قرار مجلس الأمن رقم 1707 وعملت على مراقبة تنفيذه وفوراً.
اليوم، وفي عام 2009، نرى مجلس الأمن يمارس نفس السيناريو ولكن هذه المرة في فلسطين وليس في لبنان، شهدناه يتجاهل حرب الإبادة والهلوكست الجديد على يد الإسرائيليين لإخوتنا في الدين والدم الفلسطينيين، وكأن أذنيه إحداهما من طين والأخرى من عجين، لا يسمع ولا يرى، وإذا ما نطق نطق بالظلم؛ فبعد 12 يوماً، ويوم أن لجأ العرب إلى استصدار قرار لوقف هذه المحرقة والعدوان في غزة كاد القرار أن يتعثر بعد أن ظهر التحالف الغربي هذه المرة على مرأى من العالم (أمريكا - فرنسا - بريطانيا) عبر بطولة فرنسية هذه المرة لولا الجهود السعودية والتكاتف العربي الذي أفشل خطة التحالف الغربي في تهديد الوقت لإعطاء إسرائيل فرصة من الوقت لتحقق تغييرات على الأرض لتخدمها في فرض الواقع السياسي الذي تريده، ومع هذا خرج القرار 1860 وكأنه لم يكن؛ فقد زاد العدوان الإسرائيلي بعده، ولم نشهد لمجلس الأمن تدخلاً صريحاً إلا بتصريحات خجولة يطلب فيها من إسرائيل وقف إطلاق النار وزيارة لأمين الأمم المتحدة بعد 19 يوماً لم تنجح في ثني إسرائيل!
إن مجلس الأمن وإسرائيل وأمريكا لم يقرؤوا جيداً المسيرات في الشوارع العالمية، ومنها الشوارع العربية، التي يطالب فيها المتظاهرون بوقف العدوان الذي لم يسبق له نظير، والذي أودى بحياة 1200 إنسان، نصفهم من الأطفال والنساء. لم يقرؤوا جيداً المشهد فيوقفوا هذا العدوان، ولم يعلموا أن هذا العدوان سيخلق متطرفين وطلاب حق وجيلاً أعنف وأقوى من الجيل الذين هم يحاربونه الآن، لم يعلموا أنهم يخلقون جيلاً لم يعد يقتنع بمبادرات السلام والحلول التي تُطرح هنا أو هناك، وأنه لن يرضى بأقل من حمل الأرواح على الكفوف ما دام مجلس الأمن هو مجلس للظلم، فلم ينصف العرب، فهاهي إسرائيل لم تأبه بأكثر من 50 قراراً من مجلس الأمن، جميعها داست عليها مثلما هي تدوس على القيم والأخلاقيات، وبعد كل هذا تخرج علينا تصريحات السيد بوش بتصريحات لا تقل خزياً ولا عاراً عن المواقف المخزية المعادية لقضية فلسطين عندما يصرح بأن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها وعلى حماس وقف الصواريخ، في حماقة وصفاقة سياسية تساوي بين الجلاد والضحية، وبين الجاني والمجني عليه.
قضية فلسطين تحتاج من العرب أن يرتقوا بخلافاتهم السياسية؛ لأن الدم الذي يسفح في غزة أغلى من كل تلك الخلافات، ولا يمكن مساواتها بدماء الأطفال وصراخهم وعويل النساء وضعفهم وحيرة الشيوخ وعجزهم واستشهاد الشباب الذين يقابلون آلة البطش الإسرائيلية بصدورهم العارية.
قضية فلسطين تحتاج من العرب وحدة الصف ورص الكلمة وقراءة واعية وصريحة وصادقة لمجريات الأحداث مع العدو الإسرائيلي.. وإعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والتجارية معه، فكيف للعرب أن يتصالحوا مع عدو قتل أطفالهم ودمّر مدن فلسطين على رؤوس ساكنيها ومن ثم يتناسون كل ما حصل منه ليعودوا لاستقبال باراك وأولمرت وشمعون بيريز وليفني وهم الذين تباروا في قتل الأطفال وسفك الدم العربي المسلم في فلسطين.
عندما ضُربت أمريكا في عقر دارها في عام 2000م 11 سبتمبر، وسقط البرجان، رفعت شعار (من معنا ومن ضدنا)، وبهذا نجحت في أن تحدد المسار للتعامل مع العالم الذي قسمته إلى محور للخير ومحور للشر.
آن للعرب أن يلقوا على طاولة البحث مع إسرائيل ملف السلام ومعه ورقة هل أنتم مع السلام أم ضده؟ لأن صبر العرب نفد؛ فلم يعد الوقت كافياً لننتظر مجازر أخرى وانقسامات أعمق بين العرب. أصبحت إسرائيل تضع مفهوم السلام أو مبادرة السلام في إطار اجتماعات ولقاءات وفلاشات مع المسؤولين العرب هدفها إضاعة الوقت وتغيير على واقع الأرض: جدار عنصري يُستكمل، ومستوطنات تُشيد، وعمليات اغتيالات وهدم منازل واعتقالات تجري على الفلسطينيين في الضفة وغزة.
هذه مبادرة السلام العربية وطريقة الصهاينة في التعامل معها.
ما يجب الآن هو طرح مفهوم جديد لمبادرة السلام مع إطار زمني محدد؛ فلم يعد مقبولاً من إسرائيل أن تتلاعب بمفاهيم السلام مع العرب، فهذا أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية اجتمع ما يزيد عن 276 مرة مع الإسرائيليين، والنتيجة (لا شيء).
- خميس مشيط