الظلم نقيض الحق، والظلم من الظلمات، فعندما تظلم تأكد أن نفسك وقلبك بعيدان عن نور الله عز وجل، والظلم هو انتزاع ما ليس لك بحق، أو العدوان علىحقوق غيرك، وهو بأي حال من الأحوال يكون تجاوزاً لحريتك بالاعتداء على حرية الآخرين، لذلك عندما يقول المولى عز وجل وفي حديثه القدسي أنه تبارك وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، فلم لا وهو الحكم العدل، وعندما يقول لنا: وحرمته بينكم (ويأمرنا بألا يظلم بعضنا بعضاً، فما يريد بنا إلا خيراً، والظلم لا يقع إلا من نفس مريضة بكل المقاييس، ومرض النفس يولد من الدوافع العدوانية مالا يحصيه إلا الله، وقد تكون هذه الدوافع صريحة معلنة، وقد تكون دفينة يدركها العاقل ويقرأ صفحات نفس صاحبها من تصرفاته وهو لا يدري أنه مكشوف لغيره (كاد المريب أن يقول خذوني).
أما العدل فهو احترام لحقوق الآخرين، وإقرارها وصيانتها وحفظها بكافة الطرق والوسائل الممكنة، وبسط العدل على الأرض هدف من أهداف الديانات السماوية، فلم نر مطلقا في ديانة من الديانات السماوية التي لم يلحقها التحريف نصا يأمر بظلم غيره أو النفس، وقد يسأل سائل: وهل يمكن ظلم النفس؟ والجواب نعم ومن القرآن الكريم شاهد على ذلك: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}سورة الصافات(113)، وفي الآية (32) من سورة فاطر يقول عز وجل: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}فكيف يظلم الإنسان نفسه؟
يظلم الإنسان نفسه في إنسانيته بظلم أخيه الإنسان، ويظلم الإنسان نفسه بارتقاء مراتب الكفر درجة بعد درجة، يظلم الإنسان نفسه بانحراف الفطرة في نفسه عن توجهاتها الإيمانية، يظلم الإنسان نفسه عندما يخالف قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (ولنفسك عليك حقاً فآت كل ذي حق حقه). وها هي الدولة الصهيونية التي أغمض الغرب أعينه عنها لتصبح قوة نووية، أمدوها بكل شيء المال والسلاح حتى عقول العلماء نقلوها إليها لتكون قاعدة لهم في المنطقة، لتكون يدا للبطش والتنكيل بكل من تسول له نفسه الخروج عن التبعية للغرب، تستعرض قوتها العسكرية بضرب الفلسطينيين في غزة بكل الأسلحة حتى الأسلحة المحرمة دولياً مثل القنابل العنقودية والفوسفورية لم يتورعوا عن استخدامها في ضرب المدنيين، ومن يعلم فقد يكون هناك ما لم يعلن عنه بعد فقد أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أنه سيكون في هذه الحرب الكثير من التجارب والمفاجآت، أفلا يدركون أن التاريخ يعيد نفسه، وما صار لغيرهم سيحل بهم إن شاء الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
أليس من الظلم أن يقع بشعب أعزل كل هذا الدمار، إن أرواح الشهداء التي أزهقت وأغلبهم من النساء والأطفال ستلاحق هؤلاء القتلة في يقظتهم وفي نومهم ولن يمر هذا الإثم دون عقاب إن لم يكن من أهل الأرض فليكن من السماء، والله غالب على أمره.
إنهم يصنعون أعداء لهم في كل مكان من الأرض، فالنفوس تأبى القتل والتنكيل، ولعل هذا هو ما دفع الكثيرين من غير العرب في أوربا للتظاهر لنصرة المغلوبين على أمرهم في فلسطين، رغم وقوع حكوماتهم ي خطأ الكيل بمكيالين، فهم الذين وقعوا على الوثيقة الدولة بحق الشعوب في تقرير المصير ولو كان ذلك عن طريق خيار المقاومة المسلحة، إن الشعب الفلسطيني لا يطلب إلا حقه في إقامة دولته على ترابه الوطني وعاصمتها القدس العربية، أليس من حقه ذلك؟ إن الشعب الفلسطيني قد أجبر على الخروج من أرضه، أليس له حق العودة أو على الأقل مناقشة هذا الحق من الغاصب المعتدي، إن الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون لا تعدل شيئاً في كفة التسليح وآثارها لا تساوي ذرة مقابل ما تحدثه صواريخ طائرات الهليوكوبتر أو طائرات (الإف16) أو طلقات المدفعية الثقيلة التي تواصل دك البيوت على المدنيين فتهدمها على رؤوسهم مخلفة بذلك دمار الدار ودمار أهلها، فأين العقل وأين المنطق من هؤلاء الذين استحلوا دماءنا بغير حق سوى حقهم في اغتصاب ما ليس لهم بحق.
وليس لي ما أقوله بعد لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سوى أن أصبر نفسي بقوله تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الآيتان 4، 5 من سورة الروم).
ويعلم الله أن قلمي لم يطاوعني أن يكتب في أي موضوع آخر منذ الغزو الصهيوني لغزة الأبية، وللمرة الثالثة أدعو إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالدعاء في سجودهم أن ينصر الله بقدرته وقوته المسلمين المستضعفين في فلسطين وفي كل أنحاء المعمورة وأن يكشف الغمة عنا وعنهم وأن ينصرهم نصراً مبيناً، والله من وراء القصد.
alkatbz@hotmail.com