ومما يلفت النظر في الأحداث تلك الإبداعات المتفرقة من هنا وهناك: برامج طلابية، ومناشط إنترنت، وغيرها مما يثلج الصدر، ويبهج الخاطر، وهذا من شأنه أن يدفع أصحاب المواهب، والقدرات، والتميز، والإبداعات، أن يسهموا في كل ما من شأنه نفعهم، ونفع أسرهم، ومجتمعاتهم، وأوطانهم، وأمتهم، بمختلف الوسائل السلمية الممكنة، ولو كانت قليلة، فأثرها عند الله تعالى عظيم، ولا تقتصر تلك الإبداعات على هذا الحدث، بل الاستمرار، فالكون كله مبني على الحركة الدؤوب، التي لا تنقطع، فلا تنقطع تلك الإبداعات، ومصدر ذلك الشرعي قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت - رضي الله عنه-: (اهجهم وروح القدس معك). مما يدل على ضرورة المشاركة نحو البناء بأي جهد ممكن سليم.
غني عن القول هنا: أن هناك فئتين حملهم الله تعالى المسؤولية العظيمة: الحكام، وأصحاب النفوذ والقرار، وهؤلاء تتجلى مسؤوليتهم في المنظور السياسي، والعلماء، وأهل الفكر، وهؤلاء تتجلى مسؤوليتهم في البيان، والتوجيه، والتصحيح، وضبط المسار العام، والنصح.
ولا شك أنها قامت جهود مباركة من تلك الفئتين، جهود متنوعة إغاثية وإرشادية ودبلوماسية وغيرها، حقها أن تشكر، ويدعى لأصحابها، وألا تغمط وتهمش، ولو كانت لم تصل عند بعضهم للطموح المنشود، ولكنها خطوات إيجابية، نأمل المزيد والمزيد منها للقيام بالواجب، وكما يشار إليه هنا:
أ- ضرورة المناصحة بالتي هي أحسن، والاستمرار في ذلك، فهذا من مقتضيات النصح لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ب- الكف عن التلاوم، الذي لا ينتج إلا سلبيات تتراكم، وهذا لا يعني: عدم النقد الهادف.
ج- تشجيع الخطوات الإيجابية، وطلب المزيد منها.
د- تقديم الدراسات النافعة لأصحاب القرار، أياً كانت مواقعهم.
ومن نافلة القول: أن جهوداً ظاهرة وخفية برزت في هذا الحدث: أدعية ربانية في القنوت بخشوع ظاهر، وأدعية الصلوات والخلوات، وكذا تبرعات سخية على مستوى الدول والشعوب. وإغاثات طبية، وإسهامات أطباء، وتفاعل جمهوري، وغضب عالمي، وجهود إعلامية لم تكن مسبوقة، ونصائح من هنا وهناك، وغيرها مما يصعب حصره، والمقام هنا لأن يشار إلى ما يلي:
أ- الدعاء الأوفى من الجميع للجميع، على ما قاموا به من جهود، وبخاصة في ظهر الغيب.
ب- شكر هذه الجهود وتثمينها، وعدم الإقلال من شأنها، كما هو حاصل على ألسنة البعض: (ماذا عملنا؟ ماذا قدمنا). بل أقول قدّم - ولله الحمد- كثير، فلا يكون الهم التلاوم والتثبيط.
ج- التناصح فيما يقع ووقع من الأخطاء.
د- الحث على استمرار الجهود لما فيه صلاح الجميع.
هـ- احتساب الأجر عند الله في هذه الجهود.
وللنظر في هذين الأمرين يدرك المتأمل أن سفينة النصر الكلية حصلت لعباده المرابطين من عدة أمور:
- قوة معنويات هؤلاء رغم عمق الجراح.
- أنهم مظلومون، والمظلوم منتصر.
- أنهم -ونحسبهم كذلك- من أهل الركوع والسجود، والله لا يخيب رجاء الراجين.
- أنهم صامدون رغم هول ما أتاهم من الجو، والبحر، والبر، مما لا يستطيع المشاهد أن يشاهده، وغيرها.
هـ- ومن الموازنات: إدراك حالة اليهود، فلا شك أنهم حققوا شيئاً من أهدافهم ومنها: القتل لجميع الفئات، والتدمير للممتلكات، وتخريب الديار، والقضاء على كثير من المزارع، والمنشآت، ودور العلم، والعبادة.
هذا جزء من أهدافهم: تحقق شيء منه.
وهذا ما ذكره الله -جل وعلا- في كتابه، بل فعلوه مع أنفسهم لما أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة: (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) لكن المطلوب: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
أما أهدافهم: في القضاء على فلسطين، أو أهلها، أو على حزب معين، أو جث جذور المقاومة، فأنّى لهم، لأن حكمة الله تعالى وسنته جارية في استمرار الصراع.
و-ليس المهم- مع أهميته إظهار علامات النصر، بقدر أهمية منهج التعامل في المستقبل الذي يتطلب برنامجاً دقيقاً لإخواننا هناك، وهذا يجعلنا أن نقول نقاطاً سريعة:
- حمداً لله وشكره على ما حصل.
- الترحم على الموتى، وسؤال الله احتسابهم شهداء.
- العمل الجاد على رأب الصدع الذي حدث في البنية التحتية.
- اللجوء إلى الله - سبحانه وتعالى-، وسؤاله بيان الحق، والعمل به.
- العمل الجاد على مواساة الأرامل واليتامى، وعامة المصابين.
- ترتيب الأولويات.
- تغليب المصالح العامة على مصلحة حزب أو فرقة.
- تقدير الإجابيات لما حصل والسلبيات.
- المصارحة للذات والمكاشفة الهادئة لمعالجة الأخطاء، فالله سبحانه بين بعض أخطاء الصحابة في غزوة أحد، مع أنه - سبحانه- نصرهم في النهاية، واعتبرت الغزوة انتصاراً عظيماً.
- التوبة إلى الله تعالى مما وقع مما هو عمد وخطأ.
- التنازل لأجل الاجتماع، ولم الصف، وتوحيد الكلمة، خير من الإصرار على الرأي.