غزة الصامدة ما زالت جرحاً ينزف من شريان الأمة، مأساة تسكن جوف الإنسان، شلالات تتدفق صباح مساء تحكي الظلم القهر وجرم العدوان، دماء تنساب في كل مكان، أرواح الأطفال تسافر بالجملة، كالعصافير المسافرة بلا ميعاد ولا عودة، غزة تقدم الأرواح الطاهرة وابتسامة الفوز بالشهادة تعلوها تلازمها في عليين بإذن الله.
دخان يعلو فوق سمائك يا غزة، دماء تسيل في الطرقات بفعل الإجرام والحقد السافر ضد الإنسان ضد الشجر والأرض والماء والحيوان، إنه حقد ضد الحياة وحرب ضد البقاء ودعوة إلى الموت والفناء، وهل يطلقها إنسان؟!
الموت الجماعي، الجوع الكافر، البرد القارص، القصف القاتل، القنابل الفسفورية، كل أنواع الفناء تحاصر أبناءك يا غزة، تنهش أعضاءك تمزق أحشاءك تقتل الصغار تريد ذهابك بلا رجعة وهل تبقين بغير قطاع، وبغير إنسانك الذي روى أرضك بالدم الطاهر حباً ووفاء؟
فتاة صغيرة كانت تداعب طيف الآمال، وحلم المستقبل الجميل تدغدغها الأحلام تبتسم لها ببراءتها وصدق آمالها العذبة، تسقط على منزلها قذيفة تدك المبنى وتذهب بكل الأسرة وتخلع عينيها، وتجرف كل الآمال، من قام بدك الأحلام، ومن سرق النوم والأمل والحلم والضوء من عيون الأطفال؟ ومن مزق أشلاء الرضع والأيتام، وقتل المرضى داخل أسوار المستشفيات وفي الطرقات، ومن قتل الأم وقتل الطفل ببطن الأم أمام الأعين والأسماع دون شعور أو إحساس، وهل هذا إنسان؟
دخان يتجدد فوق الأبنية يتمدد، يغطي ضوء الشمس كثيفاً، كالظلمة كالسحاب بسبب الدك وقتل السكان، في غزة كل شيء يهان، يسهل بلا ذنب قتل الإنسان، في غزة ما أرخص عند الأعداء دماء الإنسان، وما أغلى دماءكم يا أهل غزة، ولن تموت أرض سقيت بدم طاهر يروي السهول والأودية ويغرس في التربة بذرة البقاء والنصر والصمود على مر الأزمان.
مأساتك، وجع لن يمحوه الزمن ولن تنساه الأجيال، وجراحك تبقى ألماً في كل الأوطان، ينبض به قلب الأمة، جسد الأمة، فكر الأمة، في كل مكان، في غزة ليل يصل الصبح بقصف بدم بجرح بألم بموت بالجملة، والكل يتمسك بك أماً وأرضاً ووطناً، يفديك الأبناء بالأرواح الطاهرة مها لبقائك في الأحضان.
ما ذنب الأطفال، ما ذنب طيور الجنة تغرد في كل مكان؟ ماذا جنت طفلة صغيرة تنظر من الشرفة تقتلها قنبلة الحقد، رصاص اليأس، قذائف طيش، تنشر الرعب والدمار؟ ما ذنب طفلة تسأل عن زميلاتها، تنظر جندياً تركض خوف الموت تلاحقها نيران الموت يلاحقها الموت ويدركها في طرفة عين سرعان.
أين المدارس، أين رياض الأطفال، أين حدائق غزة أين الملاهي، أين الحياة وأين عناصر بقاء الإنسان؟ الدمار والفناء والحقد وعشق القتل لم يترك شبراً في غزة إلا دمره وأفنى فيه كل أسباب العيش، وصار الدم المتدفق لغزة عنواناً، أجساد أشلاء أعضاء مبتورة لمن تشكو ظلم العدوان، ولمن تشكو شبح الموت يطارد الأطفال في النوم وفي اليقظة حتى الرضع في الأحضان؟
بركة دم ساخن يعلوها زبد نازف من أجساد الأطفال، كانت مدرسة في هذا الموقع تعلو فيها الأصوات بأناشيد فلسطين الحرة وكان هذا ذنب الأشبال، قبل سقوط قنابل حقد تحمل في جوفها الموت بكل الألوان، طفل يسأل أين أبي، أين بقايا الأسرة، كنا معاً قبل قليل لكن فرقنا الصاروخ الناسف أحال الدار إلى أشلاء وبعض غبار، يبكي يسأل أين المستشفى، لكن المستشفى أصبح أرضاً بغير بناء بعضاً من أكوام.
أحبابي غزة ما زالت تنزف، تصمد تستبسل تستنجد تستغيث بكم في كل مكان، غزة ما زالت تنجب أشبالاً أبطالاً ليل نهار، يموت الأطفال بغزة وتحيا فيها كل الآمال، دم الشهداء يسقي فيها جذور البقاء وجذوة النصر وأحلام الأجيال، الكل في غزة يصحو حتى الفجر يواجه قصف العدوان، في جوف الليل، الكل يواجه رمي الرصاص وفعل القنابل وضرب القذائف ودك الصواريخ، كلها تتحدث لغة الموت ولون الدمار وإسالة الدماء وقتل الأبرياء وقصف المقابر والمساجد ونسف المباني من العلياء.
رغم الحصار والقصف والموت والجوع والبرد والجراح، لن تركع غزة قالت: لأنها ترتدي ثياب الكبرياء، لا تتركوها وحيدة فهي في الانتظار أيها الكرماء، جودوا بالدم والمال والدعاء وجودوا لأهل غزة بكل سخاء، جودوا فأنتم الجود والجود منكم وفيكم لمن يا ترى يكون النداء؟!