Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/02/2009 G Issue 13279
الخميس 10 صفر 1430   العدد  13279

إلى جنة الخلد يا أبا ناصر
مبارك محمد البكر

 

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}تتكسر الكلمات على شفتي، ويقف القلم عاجزاً عن وصف جنازة ابن عمي وأخي الفاضل الشيخ خلف بن ناصر البكر إمام جامع الأمير سلطان بن عبد العزيز بحي العزيزية بالخرج الذي انتقل إلى رحمة الله - إن شاء الله - صباح يوم الاثنين الموافق 17-12-1429هـ وسبقته زوجته (أم ناصر) رحمها الله وابنها خالد إثر حادث أليم وقع لهم بعد حوطة بني تميم شمالاً بعد رجوعه من معايدة أهله بعيد الأضحى.

هناك إخوان لنا لا نلتقي بهم كثيراً ولا نعرف عنهم الكثير ولا نراهم إلا قليلاً، ولكنهم بعد موتهم تركوا الأثر الأكبر في أنفسنا من خلال ما رأينا من حب الناس لهم وأخلاقهم الكريمة، تركونا جسداً وما تركونا روحاً، لا نعرف عن حياتهم إلا أنهم كانوا أصحاب أخلاق كريمة.

يموت قوم وما ماتت مكارمهم

ويحيى قوم وهم في الناس أموات

لن أكتب عن صفات المرحوم؛ لأننا وللأسف نحن أبناء عمومته في الأفلاج لا نعرف عنه الكثير؛ فلا نعرف إلا خلف صاحب الأخلاق الحسنة والابتسامة الدائمة، كنا نحاول أن نقتطع بعض الوقت للجلوس معه، ولكن انكشف كل شيء بعد موته.

لقد امتلأت ساحات المسجد بالمصلين عليه عصر يوم الاثنين، بل إنك لتعجز عن وجود مكان لسيارتك للوقوف للصلاة. وأكبر من ذلك ما رأيته بأم عيني عندما وقف طريق الخرج بأكمله وانتظر العابرون للبقاء في سياراتهم حتى تحرك المشيعون للجنازة إلى المقبرة التي غصت بجموع المشيعين من الناس. وشاء الله أن يقبر بجانبه مسن أمضى عمره في الأذان في الخرج (سبحان الله إمام بجانب مؤذن).

قال لي ابني: أدعو الله أن تكون جنازتي مثل هذه. قلت في نفسي لمثل هذا فلنعد، لقد رزق الله أبا ناصر محبة الناس له. قال الله تعالى {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه. فينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه) ثم ينزل حبه إلى الأرض.

يا بني إن أبا ناصر أسس قاعدة متينة في الخرج أركانها التقوى والإخلاص والتواضع والأخلاق الحسنة فبادله أهل الخرج ذلك. فكان ثمار ذلك ما رأيت في هذه الجنازة الكبيرة. ومن أراد ذلك فعليه أن يبني لنفسه مثل ذلك.

فاعمل لدار البقاء رضوان خازنها

والجار أحمد والرحمن بانيها

أرض لها ذهب والمسك طينتها

والزعفران حشيش نابت فيها

فلنقف مع أنفسنا وقفة صادقة ونحاسبها (فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل)، والوقوف بين يدي الله كائن لا محالة! فهل أعددنا للسؤال جواباً.

حضر أفواج المعزين رجالاً ونساء، أناس لا نعرفهم يبكون على الشيخ،بكى المواطن وبكى المقيم، عند ذلك عرفنا أن السبب هو الحب في الله.

يأتي رجل طاعن في السن للتعزية ثم يسأل عن والده، فيتجه إليه فيمسك بيد والده يقبلها ويقبل رأسه ويبكي بحرقة ويقول (عشرون سنة وهو يتابع أموري ويتفقدني) يأتي أناس لا نعرفهم يسددون أموالاً في ذمتهم يقولون هذه رد لمبلغ قرض حسن أخذناه من الشيخ. كان رحمه الله يعمل في الخفاء، لا يمد لأحد صدقة وأحد يراه. شفى الله الكثير على يديه؛ فقد كان من القراء الذين يحاربون الشرك والسحر والشعوذة بالقراءة كما وصفه إمام جامع الملك عبد العزيز بالخرج في كلمة قالها قبل الصلاة عليه فقد رثاه بكلمات طيبة، ومن أطيب ما قال (تفقد الخرج اليوم أحد علمائها وقرائها) ورثاه من عرفه بالنثر والشعر. قال تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فرحم الله أبا ناصر، ورحم الله أم ناصر رحمة واسعة، لقد كنت أعرفها عن قُرب، كانت امرأة صالحة عفيفة رزقها الله الحلم والصبر.

رأيت مواساة أهل الخرج لابنه الأكبر ناصر، كانت خير مواساة، كل يحثه أن يكون خير خلف لخير سلف، وكل يقدم خدماته له، فشكراً لكم أهل الخرج عامة ورؤساء الدوائر الحكومية المدنية والعسكرية جميعاً، وبارك فيكم؛ فلقد خففتم عنا مصابنا في فقيدنا وفقيدكم الشيخ خلف غفر الله له وأسكنه فسيح جناته هو من مات معه من المسلمين أجمعين.

إن في حياة بعض الناس حياة لغيره، وبعد موته يبقى ذكره خالداً، فندعوا الله ولنعد لمثل هذا اليوم بالأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة.

فحسبك خمسة يبكى عليهم

وباقي الناس تخفيف ورحمة

إذا ما مات ذو علم وتقوى

فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

عندما يجمع الناس على محبة شخص ما فاعرف أن هذا من علامات قبوله، واعرف أن الله لم يعطه هذا الفضل والحب إلا لأعمال صالحة بينه وبين ربه (فإذا صلح ما بينك وبين ربك أصلح الله ما بينك وبين الناس)، فهنيئاً لك يا ابن العم بهذا الشرف الرفيع الذي أعطاك الله، وأسأل الله كما أعلى ذكرك في الأرض أن يعلي منزلتك في الجنة في الفردوس الأعلى إن شاء الله مع أم ناصر وابنك خالد. وأن يمن بالشفاء على بقية المصابين، وأن يجمعنا به في جنته في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يلهم والديه الصبر والسلوان ويعظم أجرهم في مصابهم، إنه سميع مجيب.

almsafer_sa72@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد