زاوية تهتم بكل ما يتعلّق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات... نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم..
وردتني هذه الرسالة من أحد الإخوة القرّاء الكرام، وهي عبارة عن قصة لها مغزى عميق، حيث تتناول فكرة تحديد الأولويات وأهمية وضوح هذا الأمر في أذهاننا كبشر، حيث ننسى أحياناً خصوصاً مع تسارع إيقاع حياتنا المعاصرة أهمية مراجعة أولوياتنا والتوقف للتأمل في مدى انسجام واقعنا اليومي بتفاصيله المتعددة مع ما نعتقد أنه يأتي أولاً في قائمة قيمنا واهتماماتنا....
ومن المؤكّد علمياً أن وضوح الرؤية بخصوص الأولويات هو أحد أهم ركائز الصحة العقلية، حيث يساهم في خلق التوازن النفسي المطلوب...
وقف بروفيسور أمام تلاميذه.. ومعه بعض الوسائل التعليمية.. وعندما بدأ الدرس ودون أن يتكلم.. أخرج عبوة زجاجية كبيرة فارغة.. وأخذ يملأها (بكرات الجولف).. ثم سأل التلاميذ: هل الزجاجة التي في يده مليئة أم فارغة؟ فاتفق التلاميذ على أنها مليئة.. فأخذ صندوقاً صغيراً من الحصى.. وسكبه داخل الزجاجة.. ثم رجّها بشدة حتى تخلخل الحصى في المساحات الفارغة بين كرات الجولف.. ثم سألهم: إن كانت الزجاجة مليئة؟ فاتفق التلاميذ مجدداً على أنها كذلك... فأخذ بعد ذلك صندوقاً.. صغيراً من الرمل.. وسكبه فوق المحتويات في الزجاجة.. وبالطبع فقد ملأ الرمل باقي الفراغات فيها.. وسأل طلابه مرة أخرى: إن كانت الزجاجة مليئة؟ فردوا بصوت واحد بأنها كذلك.....
أخرج البروفيسور بعدها فنجاناً من القهوة.. وسكب كامل محتواه داخل الزجاجة... فضحك التلاميذ من فعلته.. وبعد أن هدأ الضحك.. شرع البروفيسور في الحديث قائلاً: الآن أريدكم أن تعرفوا ما هي القصة.. إن هذه الزجاجة تمثّل حياة كل واحد منكم.. وكرات الجولف.. تمثّل الأشياء الضرورية في حياتك: دينك، قيمك, أخلاقك، عائلتك, أطفالك, صحتك, أصدقاءك.. بحيث لو أنك فقدت (كل شيء) وبقيت هذه الأشياء فستبقى حياتك مليئة وثابتة.. أما الحصى فيمثّل الأشياء المهمة في حياتك: وظيفتك، بيتك، سيارتك.. وأما الرمل فيمثّل بقية الأشياء... أو لنقل: الأمور البسيطة والهامشية.. فلو كنت وضعت الرمل في الزجاجة أولاً فلن يتبقى مكان للحصى أو لكرات الجولف... وهذا يسري على حياتك الواقعية كلها.. فلو صرفت كل وقتك وجهدك على توافه الأمور.. فلن يتبقى مكان للأمور التي تهمّك.. لذا فعليك أن تنتبه جيداً وقبل كل شيء للأشياء الضرورية.. لحياتك واستقرارك.. واحرص على الانتباه لعلاقتك بدينك.. وتمسكك بقيمك ومبادئك وأخلاقك... امرح مع عائلتك، والديك، إخوتك، وأطفالك.. قدّم هدية لشريك حياتك وعبِّر له عن حبك.. وزر صديقك دائماً واسأل عنه.. استقطع بعض الوقت لفحوصاتك الطبية الدورية.. وثق دائماً بأنه سيكون هناك وقت كاف للأشياء الأخرى .... ودائماً... اهتم بكرات الجولف أولاً.. فهي الأشياء التي تستحق حقاً الاهتمام.. حدد أولوياتك... فالبقية مجرد.. رمل..
وحين انتهى البروفيسور من حديثه.. رفع أحد التلاميذ يده قائلاً: إنك لم تبيّن لنا ما تمثّله القهوة؟ (فابتسم) البروفيسور وقال: أنا سعيد لأنك سألت.. أضفت القهوة فقط لأوضح لكم أنه مهما كانت حياتك مليئة........ فسيبقى هناك دائماً مساحة.. لفنجان من القهوة.. (انتهى).
إضاءة
حدّد أولوياتك وابدأ دائماً بالأهم قبل المهم.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e- mail : mohd829@yahoo.com