حين يردد التلاميذ في مادة الإنشاء بالمدارس الابتدائية أمثالاً وحكماً ومواقف مأثورة جلها قديم فإن السامع قد يجد مللاً من هذا التكرار في كل مناسبة من أعياد وصوم وحج وصيف وشتاء وسفر وبداية عام ونهايته وهكذا... والكل يأمل من المعلمين أن يستحثوا الصغار على حفظ الجديد من هذه المعاني الجميلة بحكم أن اللغة العربية قادرة على تقديم كل جديد في المعاني والبديع والبلاغة والاشتقاقات والمترادفات، ويبقى دور المعلم بالاستنباط والبحث وتعويد تلاميذه على التباري بالإتيان بهذا الجديد من موضوعات التعبير والإنشاء، حيث إن الأنفس قد جبلت على حب الجديد والإبداع والتطوير، ونبذها لكل مملول مكرر وإن كان يحمل القيمة ذاتها (مادة أو معنى).. فإني لا أجد مبرراً للإصرار منذ عقود على تلقين التلاميذ والطلاب لأبياتٍ شعرية تمثل أغزل بيت وأهجى بيت إلى آخر القائمة وبجانبها أمثال وحكم ما زال صدى ترديدها قائماً منذ فتحت أول مدرسة وكأن الإبداع قد توقف عند هذا الحد منذ تلك الأزمنة، ولا أدعو هنا لتجاوز إبداعات الأجداد الأفذاذ شعراً ونثراً ونسيان تاريخهم المجيد ومواقفهم النبيلة من الأحداث التي عايشوها، بالعكس فهذه أصول ننطلق منها لمزيدٍ من الإبداع والتحديث المشوق، فالعقل العربي قديماً وحديثاً مؤهل لتقديم بديع الكلام وجزل المعنى ولعل في مقارنة الحديث بالقديم ظهور مذاقات متجددة.